االحتالل تحت المقاوم الفلسطيني األدب1948 - 1968

مقدمة 

ليست المقاومة المسلحة قشرة، هي ثمرة لزراعة ضاربة جذورها عميقا في األرض، وإذا كان التحرير ينبع من فوهة البندقية، فان البندقية ذاتها تنبع من إرادة التحرير، وإرادة التحرير ليست سوى النتاج الطبيعي و المنطقي والحتمي للمقاومة في معناها الواسع: المقاومة على صعيد الرفض

وعلى صعيد التمسك الصلب بالجذور والمواقف. 

ومثل هذا النوع من المقاومة يتخذ شكله الرائد في العمل السياسي و العمل الثقافي، و يشكل هذان العمالن

المترافقان اللذان يكمل واحدهما اآلخر األرض الخصبة التي تستولد المقاومة المسلحة و تحضنها و تضمن استمرار

مسيرتها و تحيطها بالضمانات. ومن هنا فان الشكل الثقافي في المقاومة يطرح اهمية

قصوى ليست ابدا أقل قيمة من المقاومة المسلحة ذاتها، و بالتالي فان رصدها و استقصاءها و كشف اعماقها تظل ضرورة ال غنى عنها لفهم االرض التي ترتكز عليها بنادق

الكفاح المسلح. 

، قدم1968 و 1948وفي الفترة التي امتدت بين المثقفون العرب في فلسطين المحتلة، من خالل أقسى

ظروف القمع، و األسر الثقافي، نموذجا تاريخيا للثقافة المقاومة، بكل ما فيها من وعي و صمود و صالبة، و أهم

من ذلك، بكل ما فيها من استمرار و تصاعد وعمق. 

دب المقاومة -على وجه الخصوص - لمأوفي الواقع فان يكن أبدا ظاهرة طارئة على الحياة الثقافية الفلسطينية، و

في هذا النطاق فإن المقاومة الفلسطينية قدمت، على الصعيدين الثقافي و المسلح، نماذج مبكرة ذات أهمية قصوى كعالمة اساسية من عالمات المسيرة النضالية

العربية المعاصرة. 

وحفل التاريخ الفلسطيني،منذ الثالثينات على األقل، بمظهار المقاومة الثقافية و المسلحة على السواء، و اذا كانت

الثورات المسلحة التي خاضها شعب فلسطين قد انتجت اسماء من طراز عز الدين القسام مثال، فان أدب المقاومة قد انتج، قبل ذلك و معه و بعده، اسماء من الطراز نفسه، ما زال المواطن العربي يذكرها بكثير من االعتزاز، و من

أبررزها ابراهيم طوقان، و عبد الرحيم محمود، و ابوسلمى)عبد الكريم الكرمي( و غيرهم.

ومن هذه الناحية فان أدب المقاومة الفلسطيني الراهن، مثله مثل المقاومة المسلحة، يشكل حلقة جديدة في

سلسلة تاريخية لم تنقطع عميليا خالل نصف القرن الماضيمن حياة الشعب الفلسطيني.

  ولكن ما يميز األدب المقاوم في فلسطين المحتلة منذ

هو ظروفه القاسية البالغة الشراسة،1968 حتى 1948 التي تحداها و عاشها، و كانت األتون الذي خبز فيه انتاجه

الفني، يوما وراء يوم. 

لقد كان الحصول على نماذج هذا األدب المقاوم صعبا للغاية، و من المؤكد اآلن ان هناك نماذج لم يتسير قط

نشرها، و ال نعرف فيما إذا ماكان من الممكن نشرها خالل الفترة الوجيزة القادمة، و كذلك فان ثراثا كبيرا من الشعبي

الفلسطيني الذي ولد و ترعرع و انتشر في الريف

الفلسطيني خالل العشرين السنة الماضية لم يتسير لنا قط الحصول عليه بالصورة التي تتيح استخدامه لدراسة منفصلة

أخرى، و ان كانت الجهود الحالية في هذا النطاق تبشربامكان ذلك.

في هذا المجال البد من االشارة إلى أن البحث التالي ليس طبعة جديدة او منقحة لكتابي الذي أصدرته دار اآلداب باسم

"ادب المقاومة في فلسطين المحتلة"، بل يمكن اعتباره إلى حد بعيد دراسة مكملة، خطوة ثانية في هذا النطاق، وال

يسعي اال أن اشير إلى أن الكتاب األول يعتبر مقدمة ضرورية لهذا الكتاب، سواء من حيث التحليل او حيث

النماذج. واذا كان البد من االستطراد في هذه النقطة الشكلية، و

لكن الهامة، فهناك مالحظتان البد منهما: 

األولى أن معظم النماذج التي اخترناها في هذه المجموعة حرصنا على أن تكون من خارج نطاق النماذج التي باتت

متوفرة اآلن،و التي ستطبع في مجموعات شعرية منفصلةخالل الفترة الوجيزة القادمة.

  والثانية ان دراسات تحليلة عديدة ألدب المقاومة

الفلسطيني، هي اآلن في نطاق االعداد من قبل استاذه اختصاصيين في النقد االدبي و البحث، و هذا هو بالذات ما جعل الدراسة هذه تميل باطراد نحو الصيغة الوثائقية، اذاجاز التعبير، أكثر بكثير مما حرصت على الصيغة التحللية.

وبعد. ان ما يهم هذه الدراسة، في االساس. هو انها تحاول تقديم وثيقة أخرى لالدب الفلسطيني المقاوم بعد الوثيقة

االولى التي جاءت قبل ثالث سنوات في كتاب "ادب المقاومة قي فلسطين المحتلة"، فاذا حققت ذلك فانها ال

تطمعه الى شيء آخر.1968نيسان 15بيروت

  

الفصل األول الوضع الثقافيلعرب فلسطين المحتلة

 يقول فوزي االسمر، وهو كاتب عربي من فلسطين المحتلة: "بينما كنت جالسا أتناول وجبة غذائي في أحد المطاعم بتل

أبيب، استمعت بالصدفة الى مكالمة تلفونية. كان المتكلم شابا عربيا من احدى قرى المثلث. علمت فيما بعد انها أم

الفحم". [؟ أعطني من فضلك السيد قصاب1[]1-"آلو.فاعد هبوعيل]

من الدائرة العربية. آلو )كل المحادثة بالعربية( سيد قصاب؟ مرحبا. احمد يتكلم. هل تسلمت رسالتي؟ إنني متأسف جدا. لقد كتبتها بالعبرية وطلبت من األخ قاسم ترجمتها

للعربية. متأسف. لقد أنهيت مدرسة عبرية ثانوية وال أعرفالكتابة بالعربية لذا طلبت منه ترجمتها".

 ويمضي الكاتب قائال:

"مكالمة خاطفة تحمل في طياتها الكثير، وأنا هنا ال أضع مسؤولية عدم تعلم العربية، لغة أم أحمد على عاتق أحمد

وحده بل على عاتق أحمد نفسه، أال يخجل من نفسه؟ إننا ال ننكر أن هنالك محاولة من السلطات لبلبلة الجيل العربي الناهض، ولكن أين المسؤولية التي تقع على عاتقه هو؟

إنني أتوجه إلى أحمد هذا وكل أحمد آخر في نفس الحالة[.2[]2أن يسارعوا في تعلم لغة أمهم...وإال..."]

  ذلك المقطع يعطي لمحة سريعة، ولكنها جارحة حتى

العظام. عن نوع فذ من النضال الثقافي الذي يخوضه عرب ، للدفاع عن لغتهم1948[ منذ عام 3[]3األرض المحتلة]

وثقافتهم وتراثهم، وفي الواقع فان المعركة هذه تمثل

واحدة من أبشع وسائل االستعمار االسكاني في سحق الحركة الوطنية ومحاولة اجتثاثها من جذورها. وكي ندرك فعال ما هي قيمة أدب المقاومة الفلسطيني في فلسطين المحتلة، من خالل النتاج الذي أعطانا في العشرين سنة

الماضية، ال بد من إدراك حجم المصاعب التي تشكل التحديات اليومية في الحياة الثقافية العربية في األرض

المحتلة. 

ثمة اعالن فاضح، يشكل اعترافا مثيرا للدهشة، في هذا النطاق، على لسان اسرائيلي مثقف، خالل مناقشة مفتوحة

مسجلة.يقول: "أعتقد ان الكيان القومي هو فوق كل اعتبار، حتى فوق

االعتبارات الخلقية. ان وجود أقلية عربية في اسرائيل يشكل أكبر خطر عليها، اذا لم يكن اآلن وفي هذا المستقبل

ففي المستقبل البعيد، وحتى نمنع وقوع مثل هذا علينا أن نعمل كل شيء بشكل ال يثير االحتجاجات العالمية، علينا أن نجد لذلك غطاء مالئما وعبارات جميلة، ولكن اذا لم يكن بد

من ذلك، علينا ان نتجاهل الرأي العام. 

علينا أن نقصر خطواتهم، وأن نأخذ أراضيهم، كل عربي ينهي المدرسة الثانوية أو الجامعة ال نعطيه عمال وليبحث عن عمل خالل ثالث أو أربع أو خمس سنوات حتى ييأس

ويفهم انه ال مكان له في هذه البالد وليبحث عن بالد أخرى، علينا أن نقنع العرب بعدم سماع الراديو العربي، علينا أن

نقطعهم عن الثقافة العربية ونضعهم تحت الثقافية اليهودية. - وماذا سيحدث إذا ما قرروا االستمرار بسماع الراديو

المصري؟ واذا لم يفهموا اإلشارة ويغادروا البالد. ما العمل؟- سيفهمون، وسيهاجرون.

-واذا رفضوا التخلي عن شخصيتهم القومية او رفضواالهجرة؟

- ال. سيفهمون![.4[]4- كن جريئا وقلها بصراحة: علينا أن نقيم او يشفتز!"]

وليس في هذا الجدل تصور نظري، فهو في الواقع تعبير عن حقيقة تمارس ممارسة يومية. لقد بات من المعروف "ان مستوى التعليمي في المدارس العربية أضعف منه بكثير

في المدارس اليهودية، وكذلك فصل المعلمين األكفاء[]5وتعيين معلمين انهوا المدارس االبتدائية فقط مكانهم"]

5.]  

ان سياسة التجهيل المتعمد هي سمة بارزة من سمات االضطهاد الثقافي الصهيوني لعرب األرض المحتلة، وفي

هذا النطاق تبرز مسألة التعليم وانخفاض مستواه فيالوسط العربي كشيء اساسي.

  [ :6[]6يعترف ز.آران في مقال له بكتاب "اسرائيل اليوم"]

بالمئة من المعلمين العرب في اسرائيل غير53ان " [ : ان7[]7مؤهلين" ويقول م.أساف في الكتاب نفسه ]

"عدم توفر اساتذه وكتب وتخطيط بالنسبة للمدارس الثانوية العربية في اسرائيل يؤدي الى اخفاق كبير في

امتحانات الثانوية )المتركيوليشن("، وان المجتمع اليهودي لم يستطع "امتصاص المتخرجين العرب من المدارس

الثانوية، وال طالب الجامعات العرب"، وانه يوجد "مشكلة أكبر بالنسبة للعرب الذين يضطرون لترك دراستهم

الثانوية". ويعترف أساف بأن نسبة تخرج العرب من الجامعات في اسرائيل نسبة منخفضة، اال انه ال يورد ارقاما، ومع ذلك فبوسعنا ان نتصور هذه النسبة حين يصل الى اعتراف

أخطر في قوله ان مجموع الطالب العرب في الجامعات

19 طالب فقط )مقابل 200، كان 1967في اسرائيل، عام الف اسرائيلي(.

وعلى أي حال لدينا احصاء مروع آخر: "فمن الجيل العربي ، ترك1957الذي بدأ التعليم في الصف األول سنة

، أي قبل أن ينهوا1964 بالمئة منهم في سنة 45المدرسة [ .8[]8الصف الثامن"]

  فاذا كان هذا هو الحال بالنسبة للمدارس االبتدائية فان

الوضع ال بد ان يكون أقسى بكثير في المدارس الثانوية بالمئة فقط من العرب10والجامعية، فأساف يقول ان

نجحوا،1964الذين تقدموا المتحانات الشهادة الثانوية عام [.9[]9 بالمئة]12 فقد كان الناجحون 1963أما في عام

ومن الواضح ان هذا الرقم خادع، ففي حين تقول مصادر بالمائة،5 أو 4أخرى، ان هذه النسبة لم تكن أبدا اكثر من

سنرى ان ز. آران يقول ان نسبة نجاح المرشحين المتحانات 1963الشهادة الثانوية بين العرب في اسرائيل، كانت عام

[.10[]10 بالمائة]40,2ما نسبته ان الذي يثبت خطورة هذه المسالة هو ان أساف، و آران،

يوردان رقمين متباينين جدا عن نسبة نجاح العرب فيالثانوية في اسرائيل، في سنة واحدة، في كتاب واحد! سنجد، باالضافة لذلك كله، وصفا موجزا، و لكن قاطعا، لألوضاع التعليمية لعرب فلسطين المحتلة، يعطي فكرة

شبه كاملة عن حقيقة هذه األوضاع. 

نقول منظمة "االرض" في اسرائيل، في مذكرة بعث بها[.11[]11]1964الى يوثانت في مطلع

  " ان نسبة التعليم المرتفعة في ظل االنتداب انخفضت الى الحضيض خالل الست عشرة سنة الماضية، ان نسبة النجاح

في شهادة المتركيوليشن )باغروت( في المدارس العربية بالمائة.5و4الخاضعة الشراف وزراة التربية هي فقط

ان هذا االنخفاض يعود الى األسباب التالية: - التدخل المؤذي و الوقح في شؤون التعليم من قبل1

رجال العسكري و المباحث )شن بت(. و لهاتين الفئتين، الحكام العسكريين و رجال المباحث، الكلمة األولى في

اختيار "المدرسين" دون أدنى نظر لكفاءاتهم العلمية، انهم يختارون بناء على مقدار ما يقدمون من خدمات للحكم

العسكري و للمباحث، و يفترض فيهم أن يكونوا مماثلين،متواطئين، و أبواق دعاية للحزب الحاكم.

- عدم وجود مدارس كافية، فبالرغم من االزدياد المطرد2 في عدد التالميذ فان عدد المدارس ال زال محدودا جدا. ان وزارة التربية تتجاهل عن عمد تنفيذ قانون التعليم االجباري

بالنسبة لألقلية العربية. - النقص الشديد في الكتب المطلوبة و المختبرات3

والتجهيزات و الخرائط والمكتبات. - هنالك بعض الموظفين المسؤولين الذين يستغلون4

وظائفهم فيقومون بنشر بعض الكتب المتدينة، هادفين الربح من ناحية. و تسميم عقلية الجيل الجديد من ناحية

أخرى. هناك خمس مدارس عربية ثانوية في اسرائيل. واحدة منها

فقط في )الناصرة( تدرس العلوم... ان سياسة الحكومة السلبية بالنسبة للثقافة العربية ترمى الى محو أي ارتباطات

بين الجيل الجديد وبين ماضيهم المجيد، لتخمد كلمشاعرهم القومية و آمالهم في مستقبل مشرق.

وفي الحقيقة، فانها تقدم لهم بديلين احالهما مرة: إماالهجرة، و إما االنصهار!".

  ان هذا المقطع في مذكرة "جماعة األرض"، المتعلق

بأوضاع الثقافة العربية. ال يلخص فقط الوسائل الفاشية

التي تتبعها اسرائيل لسحق الوعي الثقافي العربي، و لكنها تلقي ضوءا، من ناحية مقابلة. على الصمود العربي، و على

النضال في سبيل تقويت هذه المؤامرة. 

لقد كانت هذه المسألة محل اهتمام عربي متواصل و مستمر في فلسطين المحتلة، و هذا اإلصرار على رفض

خطة التجهيل اإلسرائيلية هو الذي يدفع م. أساف ليكتب]12[]12:]

"فيما يتعرض الجيل العربي الجديد الى تأثيرات مناوئة السرائيل، فان الجيل األكبر متمسك بالماضي، والطرفان

ن من خالليمازاال على صلة يومية بالدول العربية والالجئالراديو و التلفزيون".

ومع ذلك تمضي اسرائيل عن عمد في حرمان من حق العلم. و من المعروف أيضا إن عدة كليات علمية في

الجامعات اإلسرائيلية محرمة نهائيا على الطالب العرب، و هذا ما يدفع محمد دسوقي للتأكيد بأن "التعليم العربي في

اسرائيل ال يمكن ان ننتظر منه اية فائدة"، و يالحظ ان الكتب ووسائل التعليم و المعلمين األكفياء غير متوفرين. وانه بوجد تمييز بين الطالب العرب و اليهود في التعليم

[.13[]13العالي] 

وبعد االحتالل االسرائيلي لألراضي العربية في حزيران ، الحظ أحد المرببين الفلسطينيين في الضفة الغربية1967[:14[]14قائال]

"إنني اسمح لنفسي بعد خدمة ربع قرن في التعليم أن أقول إن مستوى المدارس العربية في اسرائيل منخفض

جدا. و إن المادة التي يلقنها االساتذة للطالب العرب مادة تافهة. لقد طلبت من أحد أقاربي أن يحضر لنا بعض الكتب التي تدرس في المدارس العربية باسرائيل، و اطلعت على

بعض الدوس، و عليه بنيت رأيي، إن ما يدرس للطالب

العرب ما هو إال نوع من التجهيل )خصوصا األدب العربي والتاريخ العربي( و سوف لن نقبل هذه البرامج عندنا".

وفي نفس المصدر يؤكد احد المعلمين في القدس العربية الشيء ذاته في حديث آخر: "إذا كانت اسرائيل ترى من

واجبها تعليم الطالب التاريخ الصهيوني فنحن غير مضطرين لذلك... لقد اطلعت على قسم من البرامج و اعتقد أنني

سأكون خائنا لقوميتي و شعبي إذا قمت بتدريس هذهالبرامج".

  وهذه الحقيقة، أي خطة التجهيل المتعمد الذي يهدف إلى

إرساء استعمار من نوع اقتالعي، تستدرج بدورها إجراءات قمعية اسرائيلية من نوع آخر، تتبدى في محاربة المعلمين

العرب و تشريدهم و منعهم من العمل و وضع سوط التهديدعلى رقابهم.

، القى اسرائيلي يدعي غديش، يشغل1967ففي آذار منصب المسؤول عن التعليم العربي في اسرائيل، محاضرة

في نادي المعلمين في حيفا، و وجه إلى "المعلمين القدامى" الذين دعوا لالستماع إليه تهديدا مباشرا: "على

المعلمين القدامى أال يعتقدوا بأنهم ثابتون كالمسمار الذي ال طبعة له، أنا سأعمل للمسمار طبعة، و إذا لم أقدر فسأحفر

[.15[]15حوله و أقلعه"] 

" فالمعلمون القدامى" يشكلون في الواقع جسرا شديد األهمية في الحياة الثقافية العربية في فلسطين المحتلة،

فهم ضمانة استمرار ذلك التيار من الوعي العربي و االطالع على مناهج التعليم قبل االحتالل االسرائيلي، و من هذه الناحية فهم يشكلون بالنسبة السرائيل مشكلة يشبهها غديش بأنها مشكلة المسمار الذي ال طبعة له. بحيث

يستحيل استالله و قلعه من مكانه! 

وال تكفي السلطات االسرائيلية بالطبع بهذا االسلوب "السلبي" في محاولتها لنسف الجذور الثقافية العربية، و

لكنها تلجأ إلى أسلوب "ايجابي" مواكب لخطتها. يتبدى في محاوالت حقن المجتمع العربي في فلسطين المحتلة

بسموم الثقافة الهجينة، و التفاهة التي تهدف إلى إفقاد ثقةالعربي بقيمة ثقافته وبآفاقها و جذورها.

  وزع منشور عربي في اسرائيل،1961ففي كانون الثاني

أصدره الشيوعيون العرب، يتهم "شركة الكتاب العربي" التي يشرف عليها حزب العمال االسرائيلي الموحد

)المابام( بأنها "تنزل إلى األسواق، دون حساب للتكاليف، مجالت وكتبا باللغة العربية ال هدف لها سوى إغراق شبابنا

[]16في مستنقعات العدمية القومية و العدمية الجنسية"]16.]

  وفي الشهر ذاته القى موشيه بيمينته االسرائيلي، محاضرة في الجامعة العبرية في القدس بعنوان "اللغة و االسلوب في األدب العربي الحديث" دعا فيها باصرار الى استعمال اللهجة العامية في الكتابة األدبية و نبذ العربية الفصحى و

[.و لم تكن هذه الدعوة اال تكملة لمخطط17[]17نسيانها] مقصود و مدروس. فجمال قعوار، و هو شاعر و كاتب من

فلسطين المحتلة، يكشف هذا في قوله:"كما حاولت السلطات ان تستخلص ادبا ما من مأجوريها كانت تصدم

باالبتعاد من قبل األوساط العربية، ألنه مضمونه بعيد عن أية آمال البناء الشعب العربي هنا حيث يبث الروح العدمية بين

[18[]18الجماهير العربية ويكبت الروح التقدمية العربية"] 

ومثل هذا الصدام الصامت، و لكن المروع، ال يمكن له أن يقف هنا. و هذا هو التفسير الوحيد لعمليات القمع و

االعتقال و االقامة الجبرية، و أحيانا القتل، التي يتعرض لهاالجيل الشباب المثقف في فلسطين المحتلة.

  قتل جنود اسرائيلييون الشاب1967 كانون الثاني 27ففي

( من قرية سولم قضاء28العربي محمد خليل الزعبي ) الناصرة في فلسطين المحتلة، "كان المذكور قد أنهى

دراسته الثانوية منذ حوالي عشر سنوات قضاها في البحث عن عمل، و لكنه لم يتوفق الى ذلك... كما هي الحالة عند

[.19[]19معظم الخريجين العرب"] وقد قتل الشاب الزعبي من قبل دورية اسرائيلية أثناء

محاولته قطع الحدود الى غزة، ولم "ينشر أي بيان رسمي[.20[]20عن حادث القتل المذكور"]

  تقول عريضة "القوة الثالثة" التي قدمها إلى المحكمة

م.شتين، رئيس الحركة، )وكما هو متوقع قوبلت باإلهمال،وحفظت القضية( :

"وكما يعرف جنابكم )الكالم موجه لهيئة المحكمة( فانه يتبع ضد عرب هذه البالد أساليب التمييز المختلفة، وأكثرهم

شعورا بذلك هم المثقفون ألن كل المكاتب الحكومية والعامة مغلقة في وجوههم...لذلك ال يستغرب ان يحاول

الشاب العربي الذي افتقد كل أمل في الحصول على حياة مالئمة دخول أي بلد عربي ولو اضطر في ذلك الى مخالفة

[]21قوانين الدولة وقوانين الدول العربية على السواء"]21.]

  ومن الواضح ان عمليات قتل من هذا النوع تكرر بشكل او

بآخر، ويعلن عنها تحت هذا العنوان او ذاك، ولكن نظرة خاطفة على االنباء العادية لن يكون من شأنها اال ان تثير

المزيد من الشك، وما زال القراء العرب يذكرون النبأ الذي روى قصة مقتل طالب عربي شاب "بعد أن قفز من القطار

أثناء اجازته الجامعية قرب الحدود األردنية فسقط تحت[.22[]22العجالت وقتل!"]

ولكن عمليات البطش واالرهاب ال تقتصر على ذلك، وهي ليست من ناحية أخرى في حاجة الى اثبات، ويستطيع القارىء للصحف االسرائيلية ان يجد كل ما يريده من

البراهين مختبئا هنا وهناك. 21ف "عندما استيقظ الطالب الجامعي يوسف عزيزي )

سنة( صباحا ليدرس المتحاناته، وجد رسالة تهديد تنتظره وهي مرسلة من منظمة سرية لقبها اعضاؤها بمنظمة

ش.ش و يوسف، ابن قرية كفركنا، يسكن في بيوت الكالب في قرية الجامعة العبرية في القدس، وقد طلبت الرسالة منه أن يكتب اسمه باللغة العبرية الى جانب اللغة العربية

على الورقية المعلقة على باب غرفته واال.. 

"ووصف اعضاء المنظمة المذكورة انفسهم بانهم ذوو أياد طويلة و وحشية و قد أعطي يوسف مهلة ليوم واحد لتلبية

[.23[]23أوامر المنظمة واال.."] 

وقد يكون هذا النبأ عاديا لو لم نتابع من خالله كيف لقيت شكوى يوسف المذكور، الى ادارة الجامعة والى مركز

الشرطة، اهماال ال نظير له، اقترن بالمماطلة و الكذب، و وعده قائد المباحث بان يتابع المشكلة و لكنه أعطاه رقم

هاتف وهميا، و كان مدير السكن االسرائيلي قد هددهبالطرد اذا شكا للشرطة..

والنهاية التي تتوج هذه القصة و تعطيها معناها هي أن يوسف اضطر بالفعل لترك غرفته بالجامعة، رغم كل

الشكاوى التي قدمها. انه من السهل االستنتاج بأن طالبا جامعيا ليس مضطرا

لترك دراسته لو لم يكن يعرف بأن "تجارب سابقة" أثبتتخطورة مثل هذه الحالة وجديتها.

  انه الحرب النفسية و االقتصادية و السياسية و البدنية التي تشنها السلطات االسرائيلية على الثقافة العربية و المثقف العربي كان لها األثر األكبر في بلورة اإلنتاج األدبي العربي

في فلسطين المحتلة على الصورة التي سنراها، و من ذلك اللجوء غالبا الى الرمز، و لم يحدث هذا اللجوء اال ألن

تفسيره "موجود في أكثر من سجن واحد، و في فصل أكثر[.24[]24من معلم عربي واحد"]

وقد وصل هذا القمع في أبشع صورة و أكثرها اتساعا و ، فقد تلقى مئات من1967قسوة، في حزيران من

[بناء على25[]25المثقفين العرب أوامر تحديد االقامة] ( من قانون الطوارئ االسرائيلي و المعمول به109المادة )

الى االن.1948بالنسبة للعرب منذ ( المذكورة تشكل قضية يومية في حياة109وألن المادة )

العرب في األرض المحتلة، فانه من الجدير تسجيل نصهازيادة في ايضاح الصورة:

 (:109"المادة )

-يحق لآلمر العسكري ان يصدر بالنسبة الي شخص امرا1بخصوص جميع او بعض الغايات التالية:

أ- لكي يؤمن، ما عدا في الحاالت المبينة باألمر او من قبل سلطة او شخص حسب ما هو مبين باالمر، ان ذلك الشخص

لن يسمح له ان يكون بأية منطقة في اسرائيل، كما هومبين.

ب- ان يفرض عليه االبالغ عن تحركاته بالطريقة و فياألوقات و للسلطة او للشخص كما هو مبين في األمر.

ج- ان يمنع او يحدد ترخيص او استعمال اية أداة من قبل أيشخص كما هو مبين.

د- ان يفرض عليه اية تحديدات كما هو مبين في األمر بالنسبة لشغله او عمله او بالنسبة الرتباطه او اتصاله مع

اشخاص آخرين و بالنسبة الفعاله بما يخص نشر األخبار اوالدعوة آلرائه".

  مما الشك فيه ان قانونا مثل هذا ال يمكن ان يمارس في

اغنى دول العالم عنصرية وفاشستية، و مع ذلك فان قراءة اخرى له تظل ضرورية، فهدفه ليس الحفاظ على امن

مزعوم بقدر ما هو محاولة اللغاء االنسان. 

ان هذه المادة جزء اساسي في حياة عرب األراضي المحتلة، و خصوصا بالنسبة للمثقفين، و يندر ان تسمع عن

أديب أو شاعر او كاتب عربي في اسرائيل لم يتلق مثل هذااألمر بين الفينة و االخرى.

وفي الوقت الذي كان عشرات من المثقفين العرب في اسرائيل يتلقون هذه األوامر في حزيران الماضي )باالضافة الى مئات من العرب الوطنيين البارزين( كانت دوريات من

الشرطة االسرائيلية تجمع عشرات من األدباء و الشعراءالعرب في فلسطين المحتلة، و تودعهم السجون.

  1967ومن بين أولئك الذين سيقوا إلى السجن في حزيران

[. و26[]26السادة: منصور كردوش، و صالح برانسي] [. و الشاعر27[]27فخري جدي، و الشاعر حبيب قهوجي]

سميح القاسم، و الشاعر محمود درويش، و الشاعر سالم جبران، و الشاعر توفيق زياد، و المحامي و الكاتب صبري

جريس )مؤلف: :العرب في اسرائيل"( وعبد الحفيظ درواشة، و األديب فرح نور سلمان، و علي رافع، و محمد

[28خاص، و علي عاشور، و الطالب الجامعي خليل طعمة] [. و محمد ريان، و زاهي كركبي، و منعم جرجورة، و28]

[]29نصري المر، و جورج غريب، و فؤاد خوري... وغيرهم]29.]

 

وحين أطلق سراح بعض هؤالء فيما بعد "ثبتهم" الحاكمالعسكري بأوامر تحديد اإلقامة، و اإلقامة الجبرية!

  لقد جدد أمر اإلقامة الجبرية على صالح برانسي "و

بمقتضاه يمنع من مغادرة بيته في الطيبة بعد غروب الشمس بساعة و حتى شروقها بساعة، كما ان عليه.

بمقتضى هذا االمر، ان يثبت وجوده مرة في اليوم في مركز الشرطة في بلدته... هذا و قد تلقى البرانسي هذا األمر

[.30[]30قبل سنتين، و هو ما بزال يجدد كل ثالثة أشهر"] 

وكذلك جددت االقامة الجبرية على عدد كبير من المثقفين و األدباء العرب في فلسطين المحتلة، و من بينهم الشاعر

محمود دسوقي، و صليبا خميس، و الشاعر سالم جبران، و عثمان أبو راس، وزاهي كركبي، و عبد العزيز ابو اصبع، و

[.31[]31هشام حافظ اجاره..."و مئات غيرهم"] 

ولم تكن االعتقاالت هذه جديدة، كما يظهر بالنسبة للبرانسي، فنحن نعرف مثال ان منصور كردوش و حبيب قهوجي منفيان منذ ثالث سنوات على األقل و مفروض

عليهما االقامة الجبرية في القرى المبعدين اليها. 

ورافقت هذه االعتقاالت و االحتجازات عمليات عنف و ضرب وتعذيب كانت جزءا مكمال من المخطط "فبعد نشوب

حزيران( أخذت سيارة الشرطة في قرية7الحرب بيومين ) الطيبة تجوب الشوارع و تنقل بعض الشباب الى المركز

لتدخلهم الى غرفة علقت على بابها الفتة كتب عليها "غرفة التأديب"، و في هذه الغرفة كانوا يهانون و يضربون ضربا مبرحا دون االدالء باألسباب... لقد ثبت بصورة قاطعة ان

الذين كانوا يقومون بالتعذيب كانوا خليطا من الرجال

[32الشرطة و بعض المدنيين الذين ينتمون الى سلك آخر"][-)يقصد المباحث العسكرية(.32] 

يصف الشاب خليل طعمة ما حدث له في المعتقل في ، و هو صورة لما حصل لألدباء و1967مطلع حزيران

المثقفين العرب الذين اعتقلوا في الفترة ذاتها، في تقريرمفصل:

  "أمرت أن أغادر القدس في حين كنت أستعد لالمتحانات

، أثناء6-5آخر السنة، الى منطقة قريتي الرامة و في استماعي ألخبار الساعة العاشرة، دخل الشاويش رقم

و المعروف عندنا ب "أبو سرور" و في يده مدفع13225 رشاش عوزي، و أمرني أن أذهب معه الى مركز الشرطة

(.111في كرمئيل، و حجزوني حسب المادة) 

أخذوا مني دفتر العناوين، و فجأة سمعت صوتا يقول: هذه عناوين ناصر. هه، سوف نرسلك اليه اآلن، لقد حلت نهايتكم

و سوف تحصدكم كما تحصد طائراتنا من القنطرة حتىالسويس.

  واستمر أبو سرور طيلة يومين في اهاني، و كان يكرر دائما:

أريد أن أشرب كأسا من دمك. و يقول: البروفيسوريم البهائم الذين يعلمونكم كيف تكرهون الدولة... مارتن بوبر

القذر هذا! ثم أخذوني الى مركز عكا، و عندما دخلنا وجه ابو سرور

حديثة الى بعض افراد الشرطة الجالسين و قال:  

انظروا هذا المثقف الذي يدرس الطب كي يسمم الماء في اسرائيل! و انهى كالمه بلكمة قوية على وجهي مما دفع

اآلخرين، و عددهم حوالي عشرة، ان يهجموا علي و ينهالوا

ضربا و لكما حتى سال دمي و وقعت مغشيا علي، و مع ذلك فقد صحوت على أبو سرور و هو ينهال ضربا بحذائه على جميع أعضاء جسمي، و ماتزال عالمات الضرب الى

[. و رافق33[]33( واضحة على جسمي"]1967اآلن )آب هذا "التعذيب الرسمي" سلسلة من "االعتداءات الشعبية"، فقد كاد يهود تثانيا يقضون على قاسم عبد القادر،وهو مدير

مدرسة أبو ربيعة في صحراء النقب حين ظفروا به في [. وقد ظلت هذه المدينة مغلقة في وجوه34[]34الشارع ]

العرب )وخصوصا سكان قريتي الطيبة وقلنسوة الذينيعملون فيها( عدة شهور بعد ذلك الحادث.

وربما كانت قصة الشاعر حبيب قهوجي نموذجا لما يحدث للمثقف العربي في فلسطين المحتلة، فقد اعتقل في

الخامس من حزيران، ووجهت له تهمة "التجسس"، وبعد شهور قليلة اعتقلت زوجته ووجهت لها نفس التهمة، ومع

ذلك "فقد اقترحت السلطات االسرائيلية على الزوجين االعتراف مقابل السماح لهما بمغادرة البالد، اال انهما رفضا

[.35[]35االقتراح بشدة"] 

وفي موعد محاكمتهما فوجىء محاميهما بأنهما لم يحضروا، "وعندما اتصل بالشرطة أبلغ أن الزوجين قهوجي قد اعتقال

[. وقد36[]36لمدة ثالثة أشهر أخرى بموجب أوامر ادارية"] اشتكى الزوجان أمام اللجنة االستشارية الخاصة باالعتقاالت

[،37[]37االدارية "من المعاملة البربرية التي يالقونها"] ومع ذلك فانه لم يسمح لهما بمقابلة محاميها قبل انعقاد

[ التي لم يغير انعقادها شيئا.38[]38اللجنة] بالنسبة لألديب العربي في األرض المحتلة فانه يواجد

المسألة بصورة مزدوجة، يقول سميح القاسم معلقا على مؤتمر األدباء العبريين الذي انعقد في القدس المحتلة في

:1968 نيسان 17 

"قال شيخ األدباء العبريين يهودا بورال في كلمة افتتاحالمؤتمر:

"ان أدباء اسرائيل يعملون على تعميق الوعي القومي والقيم االنسانية لدي الشبيبة ولدي الشعب"، ولم تطل

فرحتنا بهذا االعالن، فقد اتبعه فورا بالدعوة الى "االعترافبعظمة هذه االيام التي أعقبت حرب األيام الستة"!".

  هذا الجانب من التحدي يقابله جانب آخر يجعل المشكلة

مزدوجة، يتابع سميح القاسم تعليقه: 

"...وينعقد مؤتمر لألداب العبريين فال نسمع كلمة احتجاج واحدة على االضطهاد الفظ الذي تعرض له، وما زال، األدباء

العرب في اسرائيل نفسها. كثير من الكالم قيل حول محاكمة "األدباء" في "روسيا" ولكن اعتقالنا نحن، وسوقنا في الشارع مكبلين بالقيود، واالعتداء على حرياتنا اليومية

والفكرية، كتحديد اقاماتها واعتقالنا في منازلنا وفرض الرقابة على انتاجنا وطردنا من أعمالنا ومحاولة عزلنا عن

الجماهير بموجب القوانين الموروثة عن االستعمار البريطاني...كل هذه األمور لم تحظ بكلمة واحدة من مؤتمر

[".39[]39األدباء العبريين ذي القدسين!]  

هذا الوضع الذي يواجهه األديب والمثقف العربي في فلسطين المحتلة، والذي تابع باصرار ال مثيل له تحديه

طوال عشرين سنة من االغتصاب، هل استطاع ان يزعزع ثقة العربي بجذور ثقافته وآفاقها، او أن يحول دون شروق األدب المقاوم الذي يتهوج اآلن كشمس متفائلة في الحياة

الثقافية العربية عموما؟. 

لقد كان عرب فلسطين المحتلة يدركون مند البدء خطورة المعركة التي يخوضونها تحت سياط الحكم العسكري

االسرائيلي، و منذ البدء عبروا عن وعيهم بالمخطط الموضوع ضدهم باختصار و لكن بعمق، في جملة موجزة

تلخص كل شيء: "كل الناس في العالم يقفون على[]40أقدامهم، اال الحاكم العسكري فانه يقف على أذنابه!]

40.] 

ولم يكن هذا التعبير ليغطي التحدي السياسي الذي كان يواجهه عرب فلسطين المحتلة، بل كان يغطي ايضا التحدي الثقافي المبيت ضدهم، و أدى وعيهم هذا لحقيقة "التسلل

من الداخل" لتسهيل عملية "الضرب من الخارج" الى بلورة أدب المقاومة الذي كان بدوره ايضا "صمودا من الداخل"

لتسهيل عملية "الضرب الى الخارج". 

لقد أدرك أدباء المقاومة العرب في فلسطين هذه الحقيقة بارتباطاتها السياسية و الثقافية المختلفة "فاذا لم نصوت

للحزب الحاكم فنحن غير مخلصين للدولة، و اذا كتبنا قصيدة او قصة و مقاال تعبر عن واقعنا المر فنحن غير مخلصين

[.41[]41للدولة"] 

و قد ادى ذلك الى تطور في أسلوب التعبير تكيف في األساس مع متطلبات "جبهة القتال" الثقافية. فقد لجاء

الشاعر، مثال، "النشاد مقاصده ، شعرا بواسطة الطريقة الرمزية... فالقصيدة الشعرية هي ميدان فسيح للكتابة

الرمزية، يعبر فيها الشاعر عما يخالجه من شعور قومي دون ان يفصح عن ذلك، و كم من مرة خاطب الشعراء

أحباءهم قاصدين الوطن، فاذا ما كتب الشاعر في قصيدته "الويل يا ظالم.." ال يمكن للسلطات ان تعرف قصده لتتخذ

ضده االجراءات القانونية أما القاريء اللبق فيفهم مرمى[.42[]42الشاعر و يحس بنفس احساساته"]

  ولكن هذا االندفاع في فتح الطريق امام االدب المقاوم لم يحدث بالمصادفة. ليست أهميته في الواقع اكثر من كونه

حقق لشعر المقاومة درجة من التقدم الفني اكثر بكثير مما اتيح لفن القصة أو الرواية، و لكن الحقيقة هي انه كان في

ذاته نتاجا لوعي عميق بمهمة األديب و المثقف أمامالتحديات الماثلة.

  لقد أدت تلك التحديات االسرائيلية اليومية الى اختصار فترة

من طفولة العمل الفني في األرض المحتلة صرفتها حركة األدب المعاصرة في مناقشة طويلة حول مدى التزام الفن،

و عما اذا كان الفن الملتزم نفا خالقا، فقد كان ثقل المؤامرة االسرائيلية على الثقافة العربية في فلسطين

المحتلة يشكل من تلقائه حال سريعا لذلك الجدل، و بكلمة أخرى: لم تكن قضية األدب الملتزم بين الغالبية الساحقة

من أدباء فلسطين المحتلة موضع جدل، كان الجدل فيها -أمام التحديات اليومية الخطيرة- يشكل رفاها لم يقبله احد.

  يقول منصور كردوش، أحد ابرز العناصر الوطنية في األرض

المحتلة: " الفن و الثقافة سالحان اذا ما سارا على النهج الخادف

رفعا من مفاهيم امة بكاملها، أما الفن و الثقافة المجردان فباعتقادي و البذح و الرفاهية السطحية، و لذلك ارى ان الواجب القومي و االجتمااعي و التاريخي لكل من حمل

القلم او الفرشاة، ان يعمل في االتجاه الهادف كي يكون[.43[]43صاحب رسالة سامية"]

 

والمثقفون العرب في فلسطين المحتلة، ألنهم يدركون ان "هناك عوامل تحد من توصيل الثقافة المحلية و الخارجية

الى عامة الشعب، منها امكانية النشر و محاربة النتاج [. فهم يدركون بالتالي ان "44[]44الثقافي الهادف"]

المجتمع العربي في اسرائيل يقلد المجتمع العربي الكبير في تصرفاته و يستوعب نداءاته أكثر بكثير من تقليد

[و قد أدى ذلك -45[]45المجتمع اليهودي المجاور"] بالطبيعة- الى االعتماد بعض الشيء على اإلذاعات العربة،

فهي "تبدد هذه الوحشة على العربي ]في اسرائيل[ و [. و هي46[]46تخفف من وطأة العزة المفروضة عليه"]

"حلقة بيننا و بين ما حجب عنا من إنتاج أدبي و ثقافي في [. و لذلك فقد أدى "الراديو و47[]47العالم العربي"]

[، الى حد48[]48التلفزيون العربي، لنا، خدمات جليلة"] يبدو انه عكس نفسه بقوة على كثير من االنتاج الفني في

[.49[]49االرض المحتلة] 

ويبدو انه، في الوقت نفسه، أثار حفيظة االسرائيليين الى حد بعيد، فاالسرائيلي سامي ياكوف يقول: "ال اغالي ان

قلت ان مصائر قسم ال بأس به من العرب قررت على ضوء تأثير تلك األجهزة في مشاعرهم وإدراكاتهم، و هذا يقضي

بوضع مخطط شامل لتوجيه أبناء الجيل الطالع التوجيه الصحيح ليصبح محصنا ضد تأثير تيارات ليست في مصلحة

[.50[]50ابدا"] 

ان استخدام هذه المظاهر، التي وان بدت ألول وهلة انها صغيرة و عابرة، في نطاق الوعي المسبق لواجبات المثقف

العربي في األرض المحتلة، قد أفرز حركة أدبية ملتزمة، انتهت الى ان تكون عالمة من أنصع عالمات أدب المقاومة

الشجاع في التاريخ المعاصر. 

وسوف نرى، بعد قليل، كيف ان ذلك كله قد استولد وجهين مترافقين ألدب المقاومة الفلسطيني ظال معا السمة البارزة

و الدائمة لهذا االدب، و هما وجهه المحلي الصامد، و وجهه العربي الذي غنى على الدوام للمسيرة العربية معتبرا

نفسه، رغم كل أشكال القمع و الحصار و العزلة، جزءا منهاال يتجزأ.

*** لدينا، على أي حال مثال شديد األهمية و جدير بالتسجيل

ألنه، كما سنرى يعكس الشيء الكثير مما نقصده. 

تحت1967لقد اقامت مجلة "هذا العالم" ندوة في مطلع عنوان "مصائب المجتمع العربي" في اسرائيل، و قد

طرحت احدى حلقات هذه الندوة موضوع "تأخر المجتمع العربي في اسرائيل" و طلبت من المثقفين العرب هناك

االدالء بآرائهم عن أسباب تلك الظاهرة. 

يعترف رئيس تحرير المجلة بعد تلقيه سلسلة من الردود: "لم نسمع المديح قط بل النقد و الهجوم، و الخط األساسي في كل هذه الهجومات كان: "شو دخلكم بهل الموضوع"، و منهم من اتهمنا بان هدف هذه الندوات... هو اهانة للمجتمع

[51العربي في اسرائيل...و أشغال العرب بمعارك جانبية"][51.] 

لقد انتهز معظم المثقفين العرب فرصة هذه الندوة ليعبروا عن وعيهم العميق بحقيقة اإلشكال الذي يعاونوه و الذي

يتمردون عليه، لقد رفضت الغالبية الساحقة من المثقفين العرب المشاركين في الندوة طرح موضوع "التخلف

العربي"من الزواية التي يصر االسرائيليون على طرحه منها، فالتقدم "ال يقاس بمقاييس الغرام و الجنس، كجلوس

[، و قد وضع52[]52شاب و شابة معا قي قاعة السينما"]

معظم المثقفين العرب في فلسطين المحتلة مسألة التقدم و التخلف في سياقها النضالي العميق، مفوتين الفرصة على

الرأي االسرائيلي الذي يعتقد ان التقدم يبرر استعبادالمتخلفين.

  ولم تكن هذه اآلراء، في الحقيقة، اال التربة التي أخصبت

بذور األدب المقاوم في فلسطين المحتلة و احتضنتها بحرارة و اكسبتها المناعة التي أنتجت في المستقبل ثقة بالنفس و بالمستقبل ال حدود لها، فهي تبرهن ان االلتزام

الواعي كسر القشرة البراقة للخديعة االسرائيلية الفظة، و فوت على مزاعم التقدم االسرائيلي فرصة استقطاب

الحركة الثقافية العربية و امتصاصها. 

وهذه في الواقع مسالة شديدة األهمية و الخطورة، فنحن نعرف مثال انه في الكثير من الدول النامية فتح المثقفون

عيونهم ليجدوا انفسهم محاطين ببريق ثقافة اجنبية ارادت بوسائل مختلفة التوصل عبر العمل الفكري و الفني الى

فرض نمط حياة مستوردة، و مما ال شك فيه ان الكثير من المثقفين هؤالء، بين تنازع الجذور المحلية و بريق الثقافة

الغربية، انخلعوا عن جذورهم و والءاتهم و انتسبوا الى نمطحياة أخرى.

  لقد واجه المثقف العربي في فلسطين المحتلة هذا التحدي

بصورة اكثر اتساعا و قسوة، اذ انه كان و مايزال يمثل حضورا يوميا مسلحا بوسائل القمع و االغراء في وقت

واحد، لقد واجه األديب العربي في اسرائيل، وهو غالبا رجل شاب قادم من الريف، سطوة التقدم الغربي وجها لوجه،

وبريق النمط األوروبي من الفكر والحياة، ليس على صفحات مجلة أو شاشة سينما او سطور كتاب فحسب،

ولكن في تفاصيل الحياة اليومية التي كان يخوض غمارهاساعة فساعة.

  ومن هنا كان هذا التحدي يشكل درجة أكثر خطورة

وأسطورة بالنسبة للمثقف العربي في اسرائيل من أي مثقف آخر في العالم النامي تقريبا، لقد كان "التقدم" االسرائيلي يشكل بالنسبة له فخا له حضوره اليومي،

المعنوي والمادي، والذي كان يفتح اشداقه حول خطواتهباستمرار.

  ولذلك فان طرح موضوع "التقدم االسرائيلي" أمام

"التخلف العربي" كان دائما مسألة لها خطورتها ومحاذيرها، فقد كان هذا الموضوع يشكل بالبداهة السالح االسرائيلي

األقوى -فوق وسائل القمع واالرهاب- لمحاولة استيعاب المثقف العربي واستدراجه الى نمط الحياة االسرائيلية

بملء ارادته. 

ولكن المثير للدهشة حقا ان الغالبية الساحقة من المثقفين العرب في فلسطين المحتلة، الذين سألوا رأيهم بهذا

الشأن، أبدوا وعيا على درجة عالية من المسؤولية التي يفرضها التزامهم العميق بقضيتهم األولى، وقد جاءت األحداث فيما بعد لتأكد لعرب األرض المحتلة صواب

موقفهم حتى من الناحية الشكلية، فبعد عدوان حزيران "تحطمت الفكرة الفاشية التي تحاول دائما وصم1967

العرب واتهامهم بالتأخر، تحطمت الفكرة الصهيونية التي تقول بأن العرب في اسرائيل يعيشون على مستوى لم يحصل عليه أي شعب في أية دولة عربية، وجعلت منهم

فترينة لالستهالك الخارجي...كل ذلك تحطم بسرعة البرق بعد ان أطلعنا على مستوى المعيشة في الضفة الغربية

[.53[]53وفي قطاع غزة"]

  ومما ال شك فيه ان بناة االستراتيجية الصهيونية فوجئوا بال

ريب بنوع األجوبة التي أدلى بها المثقفون العرب في اسرائيل على استفناء "هذا العالم" حول ظاهرة "تخلف

المجتمع العربي في فلسطين بالنسبة للمجتمع اليهودي، وتقدمه بالنسبة للمجتمعات في الدول العربية".

  لتنبه جيدا الى الفخ المروع الكامن في هذه المعادلة غير المنطقية، ليس من حيث انها مطروحة على شكل سؤال للمثقفين العرب أنفسهم، و لكن النها -قبل ذلك- احد اهم األركان التي يقوم عليها الغزو االسرائيلي للثقافة العربية في فلسطين المحتلة، و مجرد وجود هذه المعادلة، مهما

كانت نسبة التزوير فيها، وممارستها عمليا على مدار عشرين سنة من االحتالل، يظهران بالبداهة ضراوة المعركة

التي يخوضها المثقف العربي في فلسطين المحتلة، وويظهران، بالتالي، القيمة الحقيقية و الحجم الحقيقي الدب

المقاومة الذي يكتسب، بالقياس لكل هذه الحقائق، قامةمضافة.

  من المفيد في هذا المجال اختيار نموذج لألجوبة يعبر فعال

عن موقف المثقف العربي ازاء هذه القضية الشائكة، و سنسجل ها هنا الجزء األوفر من جواب المؤرخ العربي

بولص فرح من حيفا، الذي سنالحظ انه انتهز بذكاء فرصة هذا االستفتاء ليشن حملة على جوانب مختلفة من سياسة

القمع االسرائيلية، و ليقول رأيه، بشجاعة، بكثير من القضايا التي ال يمكن ان يقال رأي عربي فيها في المناسبات

األخرى. و بالتالي يكتسب هذا الرأي قيمة الوثيقة التاريخية التي تشكل عالمة أساسة من عالمات النضال الثقافي

العربي في فلسطين المحتلة. 

[:54[]54يقول بولص فرح ] "من أين لنا أن نقدم على معالجة هذا الموضوع ونحن في

عزلة تامة، نعيش بال صحيفة او كتاب او تقرير او مكتبة تكون موردا للدرس والتمحيص والتدقيق والبحث والمقارنة

حتى تكتسب أقوالنا وكتاباتنا طابع العلم ودراساتنا صفة الدقة، واالجابة العلمية، هذا اذا سلمنا ان الموضوع علمي

أكثر منه شقشقة لسان، أو ترفيهات فكرية مريحة؟ 

فضال عن ذلك فانه من حق القارىء ان يفهم في اطار التعريف المحدد معنى التقدم والتأخر االجتماعيين، ما هي

مقاييس التقدم االجتماعي اوالتأخر االجتماعي؟ أهي مفاهيم أخالقية او آداب سلوك اوكيفية ثقافية أو فلسفة حياتيه؟

أهي السعي لسعادة االنسان، كل انسان؟ وكيف تتم هذه السعادة؟ أفي الملكية العامة لوسائل االنتاج او في الملكية

الخاصة؟ أم هي نظرة داعية لمصير االنسان؟ للسلم او الحرب؟ للعنصرية والتمييز او للتاخي والمساواة؟ بسلب

شعب آخر حقوقة او تمكينه من هذه الحقوق؟ 

...ويالحظ من خالل نقاش افراد الندوة ان التقدم االجتماعي، او االيجابية االجتماعية، هو بخروج ابن القرية

الى المدينة وتبنى ظواهرها، وتبديل القمباز والجلباب بالبدلة ولعب ابن القرية الورق في المقهى البدلي، وخروج ابن

الناصرة مع صديقته لزيارة السينما، واذا منع عن ذلك "فهناتكمن الرجعية"، على حد قول السيد شالوم كوهين!

...أما األخ الشاب محمد مصاورة فيقرر بشطحة قلم: "ان المجتمع العربي ]في اسرائيل[ متأخر في تفكيره ومفاهيمه االجتماعية والنفسية، والمشكلة في أساسها مشكلة ثقافة". ومن هذا نفهم ان الثقافة قد تؤخر او تقدم المجتمع المعين،

فاذا كان المجتمع على مستوى عال من الثقافة كان

مستوى تقدمه االجتماعي عاليا، اما اذا كانت ثقافة شهبمتدينة، تدنت اوضاعه االجتماعية.

ونتساءل اآلن: اذا كانت الثقافة هي المعيار الذي نتعرف بواسطة على تأخر او تقدم المجتمع المعين، فهل كان

ينقص الشعب االلماني الثقافة عندما نام ضميره على تدمير حياة الماليين في أفران الحرق النازية؟ ولم لم تقم البدلة االفرنجية، وهي مظهر من يظاهر التقدم االجتماعي حسب

رأي السيد كوهين، على ردع الفرنسيين عندما اشعلوها حربا افنائية ضد الشعب الجزائري؟ ولم ال يقدم األميركيون

المتقدمون تقدما اجتماعيا كبيرا على وقف افناء الشعبالفيتنامي؟

أم هذه سياسة، وتلك اجتماع؟ من قال انه يمكن للمرء ان يفرق بين الفهم السياسي و

النظام االجتماعي؟ أوليست األولى مظهرا من مظاهرالحياة االجتماعية؟

  ...السياسة ]في اسرائيل[ تعمل على تأخير تطوير العرب االجتماعي على مختلف انواعه، لذلك يناهضها العرب، فهم ال يضحون "بالتطور االجتماعي على مذبح الهدف السياسي

القومي"، على حد قول السيدكوهين، بل هم ضحية مخططات اجتماعية،... وهنا تغدو السياسة اجتماعا

واقتصادا، والعكس بالعكس. ماذا نفهم من كلمة مجتمع متقدم؟ )أال يعني ذلك( عالقات اجتماعية متقدمة تنفرد بخصائص هادفة الى الخير والعدل

والحق؟ فأين التقدم االجتماعي اليهودي الذي يتكلم عنهالسيد جلعادي، الذي يتحلى بهذه الخصاص؟

  هل االنجرار وراء عجلة االستعمار يعتبر تقدما اجتماعيا؟ هل

تزييف ارادة األقلية القومية في االنتخابات العامة مظهرا من مظاهر التقدم االجتماعي؟ أم نزع ملكية اراضي

الفالحين العرب و وهبها الى المهاجرين اليهود، و تمجيد نشاط زبدة المثقفين العرب واصطناع العلماء يدخل ضمن

خصائص التقدم االجتماعي؟ 

فنقطة االنطالق ألي مجتمع ليست بارتداء البدلة االفرنجية، فقد ارتدى األتراك البدلة االفرنجية، وتبرنطوا، ولم يغيرهم

المظهر وبقوا في عداد األمم المختلفة، وليس )التقدم االجتماعي( بالسماح بمرافقة الصبيان للبنات الى دور

السينما والتواصل الجنسي المبكر... ...وبعد، فاني اتهم واضع جدول البحث للندوة بأنه اراد ان

يتهرب من الواقع العربي في اسرائيل واشغالنا بمعارك جانبية وبحوث بيزنطية مجردة: عن مكانة المرأة والمهور

وايجابية اللباس االفرنجي ومرافقة الصبيان للبنات، ونسي ان يذكر، ان في البالد ال يوجد ناد ثقافي عربي واحد يعمل،

وان في البالد ال يوجد منظمة عربية واحدة تدافع عن مصالح العرب ، و ان في البالد خوفا شديدا من رجال المباحث

الذين ال ضمائر لهم، وان في البالد خوفا و قلقا على المستقبل، و ان البالد بطالة متفشية بين العمال العرب لم

[.55[]55يسبق لها نظير..."]***

[،56[]56وسط هذه التحديات التي حاولنا ان نوجزها هنا ] كيف قطع األدب الفلسطيني المقاوم رحلته الصعبة في العشرين السنة الماضية ليصل الى الدرجة العالية التي

وصلها اآلن؟ ماذا قال؟ وكيف قال هذا الذي آمن به؟ وما هوالمستوى الذي حققه في الشكل والمضمون؟

  ان الصفحات التالية هي محاولة لرصد هذا األدب المقاوم في طوره الدؤوب والوسائل التي توصل اليه في التعبير،

من خالل االطار الذي سجلته الصفحات السابقة عن المناخ

القمعي الفريد الذي يعيشه المثقف العربي في األرضالمحتلة، دون فترة انفراج واحدة، منذ عشرين سنة

   

الفصل الثاني أدب المقاومة الفلسطينيابعاد ومواقف

   

سامي يقف وحده على خشبة المسرح في مسرحية ذات بطل واحد، كتبها في االرض المحتلة شاب اسمه توفيق

فياض، انه يتحدث عن كابوس يلم به، و فجأة يتوقف، ينظر ناحية الجمهور و يتفحص الجالسين بارتياب، و يقول مشيرا

الى الجمهور باستغراب: 

"ماذا؟ انتم؟ اال تزالون هنا بحق الشيطان؟ اوه! يا للغباء! ظننتم انني سأترك هذا البيت لكم؟ ياللوقاحة! منتهى

الوقاحة! كدت أنسى أنكم هنا، كدت انسى تماما. ما كان علي أن أفعل. يتحتم علي أال أغفل عن ذلك مطلقا، انكم

تحتلون بيتي، تسرقون حريتي، و دون مبرر، دون أن يردعكم قانون عن ذلك، ال. ال. لن أنسى مطلقا. أعدكم

بذلك، انه لسوء حظكم، و لكنني سأبر بوعدي". 

ان هذا الخروج المفاجىء من المسرحية العادي، المليء بثقل كابوس مشوش ومختلط، يشبه الصدمة الكهربائية، ان نوع من االكتشاف يشبه أن تشعل ضوءا في غرفة مظلمة، فاذا االمور التي كانت تبدو مشوشة و مختلطة، تسقط الى

وضوح مباشر و صاعق. 

مسرحية "بيت الجنون" لتوفيق فياض عالمة بارزة في أدب المقاومة في فلسطين المحتلة، فهي، شكال و مضمونا، أكثر

من صرخة شجاعة، انها تفسير وموقف و نبوءة، فالبطل سامي وحده هو بطل المسرحية، و كلمة "وحده" ليست

رفاها تكنيكيا في المسرحية و لكنها اعالن عن الموقف بالشكل، والجمهور الذي يواجهه البطل طرف في صلب المسرحية و حين يقف على مقدمة المسرح يواجه فجأة

ظاهرة غريبة فيقول بارتياب: "لماذا تنظرون الي هكذا؟ لماذا تتخذون جميعكم نفس

الهيئة حين أنظر اليكم؟ او احدثكم؟". 

ان سامي، مدرس التاريخ و االدب، المطرود من عمله، يعيش في غرفته الصغيرة كابوسا مروعا. بينه و بين نفسه،

ثمة اختالط باالمور يأخذ طابع الجنون، و لكنه حين يواجه "المتفرجين" تتضح االمور أمامه كأنما بفعل السحر، ويأخذ حواره مع نفسه طابع الوضوح و المباشرة. و المباشرة هنا ليست ضعفا في االداء الفني و لكنها ضرورة لها الخاص. و

غي النهاية، حين يشعر انه محاصر بالذين جاءوا ليقبضوا عليه بال سبب، وبالريح الغربية، و بالكابوس، يعلن موقفه

كما يلي: هناك..انت.. هل تسمع؟ انني ال أخافكم، ال أرهبكم،

سأتحداكم جميعا، سأنتصر عليكم جميعا.. جميعا، وحدي".ويخرج سامي من الباب، فيما نسمع صوته يدوي: "وحدي!".

ليس سامي اال كلمة المقاومة، وليست مسرحية "بيت الجنون" اال قصتها، فهو رجل معزول، محارب، مالحق من

الخارج و من الداخل، والى حد بعيد مخدوع وممزق ومشوش و شبه يائس، ولكنه في نهاية المطاف يقاتل

وحده، وال يخاف. ويعد أال ينسى، وحين يطوف رغما عنه فوق مد االنسان والظروف وجزرهما. يعود فجأة الى الرؤيا

الواضحة و المباشرة، ويدق نفسه الى أرضه الحقيقية:

"انكم على حق، طبيعي ان يضيق المجرم بآثار جريمته، وطبيعي أن يدفعه ذلك الى ارتكاب جريمة غيرها. حتى

يتمكن أخيرا من القضاء على كل ما يذكره بجريمته االولى". 

انه يدرك ذلك، ويمضي مرة أخرى فيقول: "ما كان علي ازعاجكم بمشكلة تخصني وحدي، ال أدري، ربما كانت تخصكم أيضا، بل البد و ان تخصكم، انني لم

أدعكم الى بيتي". 

ويشير الى إحدى الحاضرات بين الجمهور: "هل تخصك هذه المشكلة؟ أعني، أعني ان تكون مجرمة، و

ان تقضي على كل أثر لجريمتك. اوه! لم أقصد، ان يكون[]57جنينك من صنع حداد ثم، يميته؟ طبيعي اال توافقين!"]

57.] 

ولكن هذا االنسان الوحيد الذي يواجه منفردا تحديات داخلية و خارجية، ويعقد العزم على المضي بمعركته الى نهايتها، ال

يخضع على االطالق الى رؤيا مجتزأة أو مصغرة، فسامي نفسه، بطل "بيت الجنون"، يتوصل في نهاية المطاف الى

موقف مدرك لجميع أبعاد مسألته، وهو، وان كان يعد المشاهدين بأال ينسى على االطالق انهم اقتحموا بيته،

ويعتبر أن هذا االقتحام يلقي على أكتافه مهمة عاجلة، اال انه ال يخدع نفسه باجتزاء مشكلته على هذه الصورة، وهو يرى

-بالرغم من تشوشه وثقل الكابوس المباشر الذي يجثم فوق رأسه- االبعاد االخرى لقضية االقتحام هذه، ويشير اليها

ببراعة متلمسا حدودها المحلية والعربية والعالميةواالجتماعية، أيضا.

  ان أدب المقاومة في فلسطين المحتلة يتميز بهذه الرؤيا

العميقة، فلذلك فهو يقاتل على أكثر من جبهة، وسيكون من

المدهش حقا أن يرى الدارس، في انتاج أدباء األرض المحتلة، ادراكا مبكرا، عبر الشعر والقصة والمسرحية،

لكثير من معطيات الموقف الذي اكتشفه األدباء العرب او على وشك ان يكتشفوه في مختلف البالد العربية، على

.1967 حزيران 5العموم، في أعقاب  

سنرى فيما يلي أن أدب المقاومة في فلسطين المحتلة قد ربط ربطا محكما بين المسألة االجتماعية والمسألة

السياسية، واعتبرهما طرفين من صيغة البد من تالحمهما، لتقوم بهمة المقاومة. وقد مضى ذلك االدب الى أبعد من هذا، حين أدرك في وقت مبكر أيضا الترابط العضوي بين قضية مقاومة االحتالل االسرائيلي وبين قضايا التحرر في

البالد العربية وفي العالم، وعلى هذه الجبهات جميعها، بكل تعقيداتها، خاض أدب المقاومة في فلسطين المحتلة معركة

التزاماته. 

لقد اخترنا مثال "بيت الجنون" كنموذج للبساطة االصيلة التي تتم فيها عملية الربط المعقدة التي أشرنا اليها، فبطلها

الوحيد، الذي تتنازعه تحديات متعددة، يعود بين لحظة وأخرى ليثبت تلك التحديات جميعها حول محور واحد، هو

المواجهة المباشرة مع التحدي االسرائيلي األثقل. وبالتالي تغدو كل التحديات المذكورة مربوطة الى ذلك المحور بجاذبية ال فكاك منها، ولكنها جاذبية ليس من شأنها اال

توضيح أبعاد النزال. 

ان هذا الواقع الذي تبلور من تلقائه، خالل تطورات متداخلة، قد أدى بدوره الى ظاهرة هامة ينبغي مالحظتها، فالغالبية الساحقة من أدباء المقاومة في فلسطين المحتلة يمدون التزامهم الى ما هو أبعد من الحدود الفنية، انهم منتسبون فعال الى الحركة الوطنية بصورة او بأخرى، ويناضلون من

خالل تنظيماتها، ويذوقون، في سبيلها، نتائج سياسة القمع االسرائيلية، لقد بات معروفا -مثال- ان الشاعر محمود

درويش قد اودع السجن مرارا، وان الشاعر سميح القاسم قد ذاق بدوره مرارة األحكام العسكرية. وقد مارست

الحكومية االسرائيلية ضغطا متواصال على شركة أهلية انطرد من بين موظفيها الشاعر فوزي االسمر بسبب

[، وتعرض الشاعر58[]58شعره، ونضاله السياسي معا] توفيق زياد الى الطرد من وظيفة، وكذلك توفيق فياض،

وغيرهم. 

ولكن سياسة القمع هذه لم تؤد الى أية نتيجة سلبية، وفي الواقع فان شاعرا مثل محمود درويش قد جدد رؤياه وطور اداءه بصورة مذهلة خالل وجوده في السجن، وكذلك فعل سميح القاسم. وأدت سياسة القمع االسرائيلية، التي غالبا ما كانت تغطي نفسها بمحاوالت لتفتيت المجتمع العربي في األرض المحتلة، وتأليبه على بعضه، الى ادراك متزايد

للوجه االجتماعي في حركة المقاومة. وقد انعكس هذا، بصورة خاصة، على القصص القصيرة التي تعاملت أوال مع قضايا التقاليد الكابحة داخل المؤسسة االجتماعية العربية،

ورفضتها، في سبيل تجديد دماء المجتمع العربي ليكون قادرا على مواصلة لمسؤوليات المقاومة، والمضي فيها الى مداها، وانعكست أيضا، وغالبا، في شعر الشعراء الشبان مع

مطالع تجاربهم. وأي رصد لهذه التجارب سيؤدي الى مالحظة موحدة تقريبا، وهي ان الشاب يبدأ تجربته غالبا برفض القيود التي يفرضها المجتمع الريفي على عالقات

الرجل بالمرأة، او األب باالبن، اال أن هذا الرفض ما يلبث، وبصورة متسارعة، أن يأخذ أبعاده وأعماقه، ويتوصل الى

االرتباط بآفاق التحدي المختلفة التي تواجه المواطن العربي في األرض المحتلة، ليخرج من ذلك كله بالصيغة

النهائية الراهنة، وهي إعطاء أدب المقاومة بعده التقدمي،االجتماعي، العربي، والعالمي.

  وحين يتصفح الناقد شعر محمود درويش وسميح القاسم

وغيرهما، في أوائل عهد هؤالء الشعراء بنظم الشعر، يلحظ ذلك بصورة واحدة، فشعر هؤالء ال يتصف فقط برفض

عصبي لظاهرة اجتماعية محدودة، ولكنه يتصف أيضا بضعفمثير للدهشة في بنائه الفني.

  لسميح القاسم مثال، في أواسط الخمسينات، قصائد

رومانطيكية عن المرأة، ذات أفق محدود و موقف جزئي وضعف فني ملحوظ. بعد سنوات قليلة، يسوي بناءه

الفكري والفني بصورة فريدة، نلحظها في قصيدته"أنتيغونا" ابنة أوديب الشهيرة:

خطوة، ثنتان، ثالثأقدم أقدم

يا قربان اآللهة العمياءيا كبش فداء ..

في مذبح شهوات العصر المظلمخطوة، ثنتان، ثالث

زندي في زندكنجتاز الدرب الملتاث !

يا أبتاه !ما زالت في وجهك عينانفي أرضك ما زالت قدمان

فاضرب عبر الليلبأشأم كارثة في تاريخ االنسانعبر الليل، لنخلق فجر حياة

يا أبتاه !أن تسمل عينك زبانية األحزان

فأنا ملء يديكمسرجة تشرب من زيت االيمان

وغدا يا أبتاه أعيد اليكقسما يا أبتاه أعيد اليك

ما سلبت خطايا القرصانقسما يا أبتاه !

باسم الله وباسم االنسان ..خطوة، ثنتان، ثالث

أقدم ... أقدم وسيعطينا محمود درويش مثاال أوضح على هذا التطور

النوعي، الذي ينمو من تلقائه من خالل الممارسة الفعليةللمقاومة.

ففي أواخر الخمسينات يأخذ غضب محمود درويش، شكال ومضمونا، الوضع التالي حين يشكو من عسف التقاليد التي

تلحق االذى بالفتاة التي يحبها:وتنام أجفان الحياة

اال بكاء من كئيب موجعينسل من اعماق بيت

من بيوت القريةهي بنت شيخ القريةتبكي وتصرخ باكتئابوالسوط محمر االهاب

ولكن لنلحظ، بعد سنوات قليلة، تلك القفزة التي ال تصدق يقوم بها الشاعر نفسه، منتقال من ذلك الضعف الفني

الملحوظ والتصدع في المضنون، الى درجة عالية جديدة:لقد تعود كفي

على جراح األمانيهزي يدي بعنف

ينساب نهر االغانييا أم مهري وسيفي ..

يداك فوق جبينيتاجان من كبرياءاذا انحنيت انحنىتل وضاعت سماء

وال أعود جديرابقبلة أو دعاء

والباب يوصد دوني !على يديك تصليطفولة المستقبل

وخلف جفنيك طفلييقول: يومي أجمل

وأنت شمسي وظلي أن هذه الظاهرة شائعة بصورة تشبه القاعدة، وراشد

حسين يتطور على طريقته الخاصة ضمن هذه القاعدة، ففي قصيدة له في أواخر الخمسينات يغازل فتاته بالصورة

التالية:ونمر في أطيانكم يوما فيصدفنا أجيرقذر الثياب، فتبصقين على التراب

فأحس في عيني إعصاراوفي بدني سعير

وأقول: يا بنت األمير !أنا كل شعري لألجير

وبعد سنوات قليلة سيقفز راشد حسين بدوره قفزة الفتة للنظر في الشكل والمضمون على السواء ، ففي قصيدته

"الجياد" يأخذ غصبه ورفضه الصيغة التالية:في قرانا بين طيات الدخان

يكبر الطفل لكي تكبر بالطفل التهانيليقولوا : أصبح المحروس حلما للحسان

أو عريسا صار، في سن الزواجابن فالنا

واذا جيل من العرسان يجتاح بالديجيل اطفال كبار، كالجياد مألت أذهانهم أشباح تفكير رمادي

ويمضي يقول: عن الناس:همتهم ان تلد الزوحة مولودا ذكرليقولوا : "إنها بنت أصيل مفتخر

وضعت طفال ذكروجهه وجه القمر

ليقولوا: زوجها فحل عظيم رجل.. "

بعد هذا، ليصير ابنهم راعي ذباب في الخمسينات سنقرأ شعرا كثيرا، في األرض المحتلة،

يركز تركيزا متواصال على قطاع ضيق من اإلشكال االجتماعي، و في هذا النطاق ترد اسماء القاسم والدرويش

و حسين، و كذلك فهد أبو خضرة )و هو شاعر مروهب و صاعد لم نعد نسمع عن(، و أحمد حسين، و عصام عباس،

وابراهيم مؤيد، و غيرهم كثير. 

ولكن بعد ذلك بعدة سنوات سيأخذ ذلك التنبه الجزئي آفاقه األبعد و أبعاده األعمق، ففي ذلك الوقت المبكر كانت

الكارثة الفلسطينية ما تزال حارة، وكان الغضب المجرد، بصورة فاجعة و مذهلة، يطفو إلى السطح، شأنه في ذلك

في البالد1967 حزيران 5شان ما حدث في أعقاب العربية حين مضى عدد من الكتاب و الشعراء يصبون

غضبهم على جبهة جزئية، إال أن ذلك الغضب ما لبث أن تبلور في صيغة موقف، و مما الشك فيه أن محمود درويش

و سميح القاسم هما طليعة الفتة للنظر في هذا الشأن. 

بالنسبة لمحمود درويش فان محور المقاومة، كمعركة مباشرة، هو من الوضوح و الرسوخ بحيث يطوع موقفه

االجتماعي دون مساومة، و على صعيد فني، فان العائلة،

عند محمود درويش هي ذاتها الوطن، و كذلك الحب، و المسالة برمتها، في أبعادها المختلفة التي تكون جوهر

حقيقتها، تنسكب في شعره بصورة موحدة راسخة البناء، وربما كان هذا المقطع يلخص الموقف:

خبئي عن أذني هذي الخرافات الرتيبةأنا أدرى منك باإلنسان

باألرض الخصيبةلم أبع مهري

وال رايات مأساتي الخصيبة ولكن محمود درويش يعرف أن هذا الموقف ال يزال جزئيا،

والبد من استكماله، فيتابع بانسياب تلقائي، واضعا للبعداالجتماعي أساسه األعمق:

والني أحمل الصخروداء الحب

والشمس الغريبةأنا أبكي!

أنا أمضى قبل ميعادي، مبكرعمرنا أضيق منا

عمرنا أصغر أصغرأصحيح يثمر الموت حياة؟

هل سأثمرفي يد الجائع خبزا

في فم األطفال سكر؟انه يدعو دعوته الواسعة:

فاحموا سنابلكم من اإلعصاربالقدم المسمر

هاتوا السياج من الصدورمن الصدور

فكيف يكسر؟اقبض على عنق السنابل

مثلما عانقت خنجر!األرض والفالح واإلصرار

قل لي: كيف تقهر؟هذي االقانيم الثالثة

كيف تقهر؟ وعلى طريقته الخاصة يقول سميح القاسم الشيء نفسه

في قصيدته الطويلة "ارم":أبدا على هذا الطريق

راياتنا بصر الضرير، وصوتنا أمل الغريقأبدا جحيم عدونا، أبدا، نعيم للصديق

بضلوع موتانا نثير الخصب في األرض اليباببدمائنا نسقي جنينا في التراب

ونرد حقال شاخ فيه الجذع، في شرخ الشبابونصب في نبض المصانع

للمربي، والحقائب، والثيابنبض القلوب المؤمنات..أبدا على هذا الطريق

نذوي فدى أشواق سنبلة على وعد العطاءو نصيح من فرح غرير الدمع في عرس الفداء:

أبدا على هذا الطريق!شرف السواقي أنها تفنى فدى النهر العميق!

ولسميح القاسم ومحمود درويش قصائد كثيرة هي إعالن صارخ عن انتساباتهم االجتماعية التقدمية، يتبعون في ذلك

استاذهم الرائد حنا أبو حنا. أما على صعيد القصة القصيرة التي ال تزال من حيث

مستوى األداء الفني و االنتشار و الكم متخلفة عن الحركةالشعرية، فانه يوجد تركيز أكثر على الوضع االجتماعي.

  ويبدو ذلك واضحا تماما في قصة قصيرة لعطا الله منصور

[، و قصة أخرى لزكي59[]59اسمها "رياض يعود الى بيته"]

[، و في عدد كثير60[]60سليم درويش اسمها "نقطة دم"]المماثلة، أهمها "رنين االجراس" لعبج الرحمن محمد سعيد]

[، التي تحوي موقفا طبقيا و تركز على نقد61[]61 العالقات االجتماعية و عدد كبير من القصص القصيرة التي

تتعامل مع مشكالت المؤسسة العائلية العربية الريفية و رفضها، أو على الوضع االقتصادي المتردي الذي يعيشه

العربي في فلسطين المحتلة. 

اال أنه المالحظ بوضوح ان هذه القصص، التي تشكو في الغالب من تصدع فني كبير، تشكو أيضا من عجزها عن

الوصول الى المستوى الذي وصل اليه الشعر في فلسطين المحتلة، في نطاق الربط بين الجبهات التي تتصدى لها

[.62[]62حركة المقاومة في صيغتها الثقافية] 

وسبب ذلك ال يعود فقط الى أن الشعر وسيلة فنية أكثر رسوخا و أكثر قدرة على االنتشار و أكثر مالءمة لهذا

الغرض فنيا، و لكن ايضا ألن وسائل النشر، في الظروف التي يعيشها عرب األرض المحتلة، ال تسمح بتطور سريع

في موضوع القصة بالذات.***

لقد حاولنا الى اآلن ان نقدم عرضا موجزا للبعد االجتماعي في أدب المقاومة، و من الواضح ان هذا الفصل بين األبعاد

المختلفة، التي تكون في مجموعها المترابط أدب المقاومة، في فلسطين المحتلة، لم نلجأ اليه اال بسبب محاولة

استكشاف جوهر هذا األدب و أسس منطلقاته و بنيانه العقائدي، و لكن على صعيد عملي فان هذا الفصل

مستحيل، ألن أدب المقاومة، كما ذكرنا سابقا، قد توصل من خالل تطور سريع و تلقائي الى ما يمكن ان نسميه

موقفا واحدا و اليمكن بحال من األحوال ان تؤخذ جزئياتهذا الموقف منفصلة اال لغرض دراسي محض.

  وفي األساس فان أدب المقاومة في فلسطين المحتلة قدم

دوره بنفسه، و بالنسبة لشعراء المقاومة على وجه الخصوص فان الشعر سالح، ما في ذلك شك، و لم تكن كفاءته و جدارته بالنسبة لهم اال التزامه بدوره المقاوم

الواعي. 

بوسعنا اذن نقول ان االلتزام بالقضية الوطنية، االلتزام الواعي، هو االطار الذي استطاع أن يقود خطوات ادب المقاومة في فلسطين المحتلة نحو مسؤولياته دون ان

يفقد أي بعد من أبعاده، هذه االبعاد التي نعود فنقول انها، على تعددها، تدور في فلك واحد هو فلك المعركة ضد

االحتالل االسرائيلي. 

ومن هذا المنطلق بالذات سنالحظ ان شعر المقاومة، مثال، على عكس معظم الشعر العربي المعاصر، ال يبدأ

باالستخفاف بقيمة الكلمة في المعركة القاسية، بل يدركدورها و يقدسه و يعتبره مسؤولية جوهرية ال غنى عنها. لقد رأينا في هذا النطاق كيف قال محمود درويش في

حزيران:5اعقاب هزيمة هزي يدي بعنف

ينساب نهر االغاني..يا أم مهري وسيفي

وهذا االدراك العميق للعالقة التي ال غنى عنها بين األم و المهر و السيف و االغاني و االيدي متوفر بصورة تثير

التقدير في شعر المقاومة العربي في فلسطين المحتلة:فسميح القاسم يبلغ عدوه:

هذي الحروف المدلهمةياسيدي أحزان أمةوبها أروي غرسة

بلظى جحميك مستمحةالصيد من وادي األسىوالدمع لألطفال بسمة

ألرد للثكلى ابنهاالعيد للمفجوع أمه

فاشحذ مداك على جراحيانني قربان كلمة!

ويحدد سميح القاسم نفسه دور شعره ومنطلقاته بصورةاكثر مباشرة:

من رؤى االحالم في موسم خصبومن الخيبة في مأساة جدب

ومن دمى االطفال ، من ضحكاتهمومن دموع طهرتها روح ربمن زنود نسقت فردوسها

دعوة فضلى على أنقاض حربمن جراحات يضوي حقدها

ما ابتنى شعب على انقاض شعبمن دمي ، من ألمي ، من ثورتيمن رؤاي الخضر من روعة حبي

من حياتي أنت ، من أغوارهاياأغاني ! فرودي كل درب

ويظل سميح القاسم متمسكا بهذا الموقف الى النهاية، وفي ديوانه "دمي على كفي" يصر على ذلك:قصائدنا، موقعة على الفوالد

واالخشاب والصخروامتنا تحث الزحف

ما زالت تحث الزحف للفجر قبل هؤالء بزمن طويل أرسل الشاعر حنا أبو حنا، من

بطاقة الى رفاقة:1958حبسه في سجن الرملة، عام خسئوا، فما حبسوا نشيدي

بل ألهبوا نار القصيدنار تأجج، ال تكبلبالسالسل والقيودنار، جحيم للطغاة

وزمرة العسف المريدشرف لشعري ان يقضمضاجع الخصم اللدود

فاعجب لشعر يستثير الرعبفي مهج الحديد

أقوى من السجن المزنربالعساكر والسدود

أقوى وأصلب من حشود علوجهمأبدا نشيدي

وفي قصيدة أخرى:شعب أنا، ان يحبسوا فردا فكل الشعب ثائر

واذا يصفد شاعر هتف النشيد بكل شاعرشعب يمد حشوده جسرا على نهر المجازر

ويعانق الفجر الملوح بالضياء وبالبشائر ويؤكد محمود درويش هذا التقديس لمسؤولية الكلمة

والتزامها بصورة فريدة:قصائدنا

بال لون، بال طعم، بال صوتاذا لم تحمل المصباح

من بيت الى بيتويمضي خطوة أخرى في القصيدة التالية بالذات:

لو كانت هذي االشعارازميال في قبضة كادحقنبلة في كف مكافح

لو كانت هذي الكلماتمحرثا بين يدي فالح

وقميصا، أو بابا، أو مفتاح !أحد الشعراء يقول:

لو سرت اشعاري خالنيوأغاظت أعدائي

فأنا شاعر !وأنا سأقول !

ويقول في قصيدة أخرى عن لوركا:هكذا الشاعر، زلزال، وإعصار مياه

ورياح إن زأرهمس الشارع للشارع: قد مرت خطاه

فتطاير يا حجروهو يعرف ثمن هذه المسؤولية:

رموا أهلي الى المنفيوجاءوا يشترون النار من صوتي

ألخرج من ظالم السجنما أفعل ؟

- تحد السجن والسجانفإن حالوة االيمان

تذيب مرارة الحنظلويعرف أكثر من ذلك:

شدوا وثاقيوامنعوا عني الدفاتر

والسجائروضعوا التراب على فمي

فالشعر دم القلبملح الخبزماء العين

يكتب باألظافروالمحاجروالخناجر

ساقولها:قي غرفة التوقيف

 في الحمامفي االسطبلتحت السوط!

تحت القيدفي عنف السالسل:

مليون عصفورعلى أغصان قلبي

تخلق اللحن المقاتلوألنه يعرف قيمة الصوت فانه يتمسك به تمسكه بالسالح:

لكن صوتي صاح يوما:ال اهاب!

فلتجلدوه اذا استطعتمواركضوا خلف الصدىما دام يهتف: ال أهاب!

وأدب المقاومة حافل بهذا االعالن الواضح عن مهمة ال تحتمل المساومة و ال التمييع، و لفوزي االسمرموقف مماثل

في قصيدته له، اسمها: "المعبد القديم":في معبدي القديم لم ازل

الملم الحروفاذيبها في موقد اللهب

اصوغها نغمانشودة من العزاء واألمل

ولحنها:من لحن نارنا وحبنا الكبير

من نور قلبنا المنيرمن جرحنا

من جرحنا الذي يلون العبيرمن زند ذاك األسمر الصلب الذي يفجر الصخور

من ارضنا الثكلى، ومن دمع الربيع على الزهور اننا نالحظ مرة اخرى محتويات ذلك االطار الذي اسميناه االلتزام، ونحن نرى اآلن في األمثلة الثالثة التي اخترناها

كيف يصر الشعراء على بعدي موقفهم المقاوم، االجتماعي و السياسي في وقت واحد، انه التزام نحو الوطن و

المحرر، من خالل ادراك دور الكلمة ال االستهانة بها واعتبارها مجرد رفاه.

ان شعراء المقاومة في فلسطين المحتلة يمضون في ممارستهم للمسؤولية الى حد أبعد يلخصه لنا سميح القاسم

في قصيدة له اسمها "بطاقة الى نجيب محفوظ":فاغرف من أعماق البئر العذراء

واسق العامل والفران وأوالد الحارةفالناس ظماء!

اكتب عن شحذ الهمةواكتب عن أحالم األمة

طوبى للحرف الشامخ في الليل منارةوالعار البراج العاج المنهارة

فقضية االلتزام ليست نظرية مجردة، و كذلك ليست قضية التحرير، و الرؤيا الواضحة ألبعاد القضيتين كمبادىء و

كرسائل ال تحتمل عند ادباء المقاومة في فلسطين المحتلة غموضا او تشويشا او مساومة، وهذا بالذات ما جعل أدب

المقاومة الذي رأيناه في فلسظين المحتلة خالل السنوات العشر الماضية أدبا ال ينوح وال يبكي، ال يستسلم وال ييأس،

وال يناقض نفسه ويمر عبر تشنجات عصبية واهتزازات ناتجة عن سوء وعي الموقف إلى حقيقته، ألن رؤياه لم تكن

ارتجاال عاطفيا، ولكن وعيا عميقا ومسؤوال ألبعاد المعركة التي وجد نفسه في صميمها، ولذلك فانه تجنب ظاهرة

االنتكاسات الذاتية الرومانطيكية التي شهدها معظم الشعر العربي في هذه اآلونة، والتي نالحظ أنها تشتد وتأخذ طابع

النواح والهستيريا والتنصل، كما كانت تجربة الشاعر نفسهأكثر بعدا عن ادراك أبعاد التزاماته ووعيها في السابق.

فمقابل ما قرأنا جميعا في اآلونة األخيرة من الشعر العربي، بقصيدة1967 حزيران 5يستقبل توفيق زياد، مثال، كارثة

يقول فيها:يا بالدي! أمس لم تطف على حفنة ماءولذا لن نغرق الساعة في حنفة ماء !

بهذا الثبات يكتب توفيق زياد قصيدته الرائعة "كلمات عن العدوان"، وهي قصيدة مفعمة بالحزن ولكنه الحزن الواعي

الذي ال يستطيع ان يهدم:انكم تبنون لليوم وانا

لغد نعلي البناءاننا أعمق من بحر وأعلى

من مصابيح السماءإن فينا نفسا

أطول من هذا المدى الممتدفي قلب الفناء

بذلك1967 حزيران 5ومحمود درويش يستقبل كارثة الحزن الذي ال يصدق، الذي يرتد فورا الى نفس جديد من

اإلصرار:خسرت حلما جميال

خسرت لسع الزنابقوكان ليلي طويال

على سياج الحدائق.. وما خسرت السبيال !

وفجأة يرتد الى كورس شعبي يشكل خلفية هذا الحزنوالتوق، والسد المنيع الذي يتكىء عليه:

يما مويل الهوىيما مويليا

ضرب الخناجر وال

ضحكم النذل فيا ! بصورة1967 حزيران 5أما سميح القاسم فيستقبل

فريدة، في قصيدة عن الفدائي، تنتهي كما يلي، على لسانالفدائي الشهيد"

يا من ورائيال تخونوا موعديهذي شراييني

خذوها وانسجوا منهابيارق نسلنا المتمرد

ان مثل هذه المواقف ال يمكن ان تأتي بهذه التلقائية لو لم يكن هؤالء الشعراء قد أدركوا منذ البدء، ليس فقط أبعاد معركتهم التي راهنوا عليها في نهاية المطاف ولكن أيضا مدى التزامهم ومعناه وكونه أكثر عمقا من مجرد تظاهرة

شكلية.***

ان هذا الكالم يقودنا على التو لمتابعة استكشاف االبعاد التي التزم بها أدب المقاومة، وقد استعرضنا قبل قليل

االلتزام الواعي كاطار هذه االبعاد، واستعرضنا قبل ذلك التالزم بالبعد االجتماعي لمسألة المقاومة، وأمامنا اآلن:

البعد العالمي، والبعد العربي. وكما قلنا فان تجزئة الموقف الى هذه التفاصيل هدفه تسهيل العرض، وقد رأينا في األمثلة التي استعرضناها

نموذجا الستحالة فصل هذه األبعاد عن مجمل الموقف. عالميا يدرك شعر المقاومة التزامه بحركة الثورة في

العالم، التي هي في نهاية المطاف المناخ الذي تنمو داخلهالحركة الثورية المحلية، تؤثر به وتتأثر منه.

فيما بين أيدينا من أدب المقاومة يلفت نظرنا بصورة مدهشة كمية ونوعية االنتاج الذي يغني لثورات العالم

وقضاياه الحرة، وقد تلخص لنا قصيدة لمحمود درويشاسمها: "أناشيد كوبية" جوهر هذا االلتزام ومعناه:

أنا لم ألمس قصبا السكرواألرض الخضراء

لم أركب قارب صياد في البحر الكاربيلم أضرب قطرة ماء

لم أنزل فندق سياح غرباءلم أسكر في هافانا من عرق الفقراء

لم أغمس قلمي في جرح البؤساء المحرومينلم أقرأ أدب الشعراء الكوبيين

لكن عندي عن كوبا أشياء وأشياءفكالم الثورة نور

يقرأ في كل لغات الناسوعيون الثورة شمس

تمطر في كل األعراسونشيد الثورة لحنتعرفه كل األجراس

والراية في كوبايرفعها نفس الثائر في األوراسوجذور الثورة مهما مدت أغصانا

تنبت من نفس المتراسواللهب األزرق واألحمر واألخضر

يبدأ من غضب واحدفتدفأ..

واصنع لهبا آخريا شعبا يشعر بالبرد

حين قلنا ان ابعاد ادب المقاومة المختلفة يشد نفسه، بجاذبية قوية، الى محور واحد الى هو محور المقاومة نفسها

التي يخوضها األديب المعني، فإنما كنا نقصد تلخيص هذهالقصيدة، بجملة.

 

ولكن ليس محمود درويش وحده هو الذي يلتزم شكال ومضمونا بهذا البعد الحيوي من أبعاد أدب المقاومة، فثمة قصائد كثيرة لفوزي األسمر، بهذا المعنى، أبرزها "أنا عبد"

موجهة لشعب افريقيا، ولسميح القاسم عدة قصائد عن باتريس لومومبا، وافريقيا، وزنوج امريكا، وله أيضا في

قصيدته الطويلة "ارم" مقطع اسمه "بطاقات الى ميادين المعركة" وهي سلسلة من القصائد القصيرة موجهة الى

المغني الزنجي بول روبنسون، وفيدل كاسترو وكريستوفغبانيا وثوار الفيتكونغ.

وفي قصيدته هذه، "الى ثوار فيتكونغ" يقول:إسمعها تهدر ملء دمي

إسمعها في الوديان على الغابات على القممإسمع صرخات االحرار وقهقهة الرشاش

إسمع غارات الفاشست األوباشوأصيح أصيح بال صوت:الموت آللهة الموت.

ولنالحظ اآلن، هذا االنتقال المذهل:وأحس بكفي تتقلص

وأغيب لبرهةوأحس كأني أتربص

بذئاب الغصب على أرض الجبهةوأصب على األشباح النار .. وأبكي

ويعود في قزفة مماثلة:من يجرع في بارات نيويورك الويسكي

من يلقي في المقهى حلوةمن ينشد في الشارع غنوة

من يحرث في امريكا، من يزرعمن يحرث في فيتنام ويزرع

من يبقى في المصنعمن يبقى ؟

يا آلهة الموت القمحى في امريكايا آلهة الموت الحمقى !

وفي هذا النطاق نجد قصيدة لراشد حسين عن آسيا "بلد الرجال الثائرين على مماطلة الزمان" وقصيدة أخرى

إلبراهيم مؤيد اسمها "أنشودة زنجي" وهي قصيدة تدل على والدة شاعر جيد، إال أننا مع األسف لم نعد نسمع عن إنتاج جديد له،وسنرى عددا كبيرا من القصائد، في هذا النطاق، لمحمود دسوقي، وقصائد ذات أهمية قصوى لحنا أبو حنا

عن كوبا وعن أفريقيا المشرقة. 

أن االلتزام بالبعد العالمي للمعركة كان دائما من ميزات شعر المقاومة، ومع ذلك فان هذا االلتزام لم يؤد إلى تمييع

االلتزام بالصيغة المباشرة للنزال، ولكنه أغناه وأعطاه معنى وعمقا وحافزا، عكس تجارب كثيرة حدثت في الفترة

الماضية في عدد من البلدان العربية. 

بهذا المجال يجدر بنا أن نسجل موقفا لمحمود درويش الذي كان ديوانه األول "عصافير بال أجنحة" في معظمة، غناء

لثورات أفريقيا، والذي غنى لثورات العالم بإخالص وعمق وتلقائيا تبعث على اإلعجاب، والذي -أيضا- قدم فيما أرى أجود رثاء عربي للشاعر األسباني الثائر لوركا، نقول، مع

ذلك كله ينظر محمود درويش نظرة واعية للمسألة كلها فيقصيدته: "عن األمنيات"، حين يقول:ال تقل لي :

ليت بائع خبز في الجزائرألغني مع ثائرال تقل لي :

ليت راعي مواش في اليمنألغني النتفاضات الزمن

ال تقل لي :

ليت عامل مقهى في هافاناألغني النتصارات الحزانى

ال تقل لي :ليتني أعمل في أسوان حماال صغير

ألغني للصخوريا صديقي !

أرضنا ليست بعاقركل أرض، ولها ميالدها

كل فجر، وله موعد ثائر ! إن وعي االلتزام بحركة الثورة في العالم يكتسب قيمته مما

يؤديه إلى الوعي االلتزام بالثورة المحلية، وليس من كونه صيغة رومانطيكية ذات طابع تنصلي عن طريق المزايدة، وهذا اإلدراك الذي عبر عنه أدب المقاومة العربي بوضوح

ومباشرة وحسم يضع البعد اإلنساني في المقاومة فيمكانه الصحيح، الذي يشكل حافزا ومسؤولية، في آن واحد.

يضع سميع القاسم هذا المبدأ كما يلي:فهناك، في أعماق افريقيا الجواري والعبيد

فجر يمر بكفه فوق الجباه الناحباتويصب فيها النور والدم والحياة

وهناك في أعماق امريكا الجريمة والتمزق والضياعطبل يدق بال انقطاع

لمدينة تشرى وزنجي ويباعوهناك، في االفق القريب هناك في االفق البعيد

ليست تتم األرض دورتها بال نصر جديدفاحمل لواءك وامض في هذا الطريق

.. أبدا على هذا الطريقشرف السواقي أنها تفنى، فدى النهر العميق

ولكن االمر يختلف، من حيث الكم والنوع، حين يتعامل أدبالمقاومة مع واحد من ابعاده األساسية، وهو البعد العربي.

ان طبيعة القضية الفلسطينية تضعها في مركز الوسط من التفاعالت العربية، وبالتالي فان شعر المقاومة في

فلسطين المحتلة يمكن ان يوصف بأنه الناطق بلسان تلكالتفاعالت والمؤرخ لها.

في ديوان شعر المقاومة ليس باالمكان مرور أي حدث على1956عربي دون يؤرخ في ذلك الشعر، بل ان عدوان

مصر كان نقطة تحول اساسية في تاريخ ذلك الشعر، وكذلك كانت ثورة الجزائر، وثورة اليمن، وبناء السد العالي

وفي هذا النطاق بالذات تبدو والءات المقاومة العربيةواالجتماعية ممتزجةبصورة عضوية ال تحتمل الفكاك. سنجد في قصيدة "بطاقة الى االسطى سيد" لسميح

القاسم نموذجا مختصرا وكافيا لما نقصده:يا أسطى سيد !

إبن وشيدشيد لي السد العالي

شيد لكأطفىء ظمأ الغيظ العالي

وامنحناوامنح أهلككوبا من ماء

وخضارا وزهورا وضياءيا أسطى سيدأزف الموعد

والقرية في الصحراء العطشى تحلموالبذرة في الثلم الصابر تحلم

فادفن أشالء القمقمفي أشالء الصخر المتحطم

وابن وشيديا أسطى سيد

باسم ضحايا االهرام وباسم االطفال

إبن السد العالي !يا صانع حلم األجيال !

ان االختالط شديد الوعي، في مهمة االسطى سيد. حيث ال يعرف القارىء لمن يبني السد العالي، لضحايا االهرام ام لالرض العطشى، ام للجيل العربي االسير في فلسطين المحتلة، يذكرنا بشيء مماثل في قصيدة أخرى لسميح

القاسم نفسه. عن صنعاء، غداة الثورة، حين يغني لصحرائهو لمستقبله.

الشيء ذاته نلحضه في شعر محمود درويش، فهو يبدأقصيدة طويلة له عن "األوراس" كما يلي:

بيتي على األوراس كان مباحايستصرخ الدنيا مساء صياحا

و تراب أرضي من دمي معشوشبكي يشرب الغرباء منه الراحاثم يقول في القصيدة ذاتها:

فالوحش يقتل ثائراواالرض تنبت الف ثائريا كبرياء الجرح! لو متنا

لحاربت المقابر!فمالحم الدم في ترابك

ما لها فينا اواخرحتى يعود القمح للفالح

يرقص في البيادرويقول:

أوراس! يا "أولمبنا" العربيذيا رب المآثر

إنا صنعنا االنبياء على سفوحكوالمصائر

اوراس! يا خبزي و دينييا عبادة كل ثائر

ويمضي محمود درويش في قصيدة اخرى اسمها "نشيدللرجال" الى تحديد اكثر لهذا البعد في موفقه:

سنخرج من معسكرناومنفانا

سنخرج من مخابيناويشتمنا اعادينا:

"هال! همج هم، عرب!"نعم!عرب

والنخجلونعرف كيف نمسك قبضة المنجل

وكيف يقاوم األعزلونكتب اجمل األشعار!

انه من الجدير بالتسجيل ان سميح القاسم كان اول شاعر عربي يغني لثورة "الذئاب الحمر" في ردفان غداة تفجرها،

مدركا بعدها العميق و معناها:حمت سراياك فاشرب من سرايانا

واشحذ مداك على الجرح الذي عصفتاركان عرشك آلينا نقوضها فاحشديا طامعا بالذئاب الحمر ، ما غنمت

بالدنا القدر المحتوم قاطنهايا عابد النار ! ما زالت مؤرثة على القنال..

كأسا جرعت بها للذل ألوانادماؤه بقالع البغي نيرانافلولك حيات و عقبانا

اطماعك السود اال بعض قتالنامذ كانت الشمس، ما النت و ما النا

فماذا تعبد الآلنا ؟ وفي ذلك الوقت كتب سميح القاسم قصيدة اخرى اسمها

"عروس النيل" عن السد العالي كمظهر نضالي:

اسمعه.. اسمعه!عبر فيافي القحط في مجاهل األدغال

يهدر، يدوي، يستشيطفاستيقظوا يا أيها النيام

ولنبتن السدود قبل دهمة الزلزالتنبهوا.. بهذه الجدران

تنزل فينا من جديد نكبة الطوفان وفي الوقت ابكر بكثير من التاريخ الذي كتب فيه سميح

القاسم و محمود درويش هذه القصائد. كان البعد العربي موجودا بعمق في موقف المقاومة، نذكر هنا قصيدة قديمة

[ لشاعر من االرض المحتلة اسمه عصام عباسي:1958]هذى بساتيل العراقتهدها كتل الحشودبغداد يا بلد الرشيدأتيت بالفعل الرشيد

وينتقل الشاعر، في قصيدته نفسها، في جولة في البالد العربية جميعها يقدم من خاللها موقفا تقديميا مسؤوال، ال

يخضع لالفتعاالت الرومانطيكية التي تؤدي غالبا الى االحتيالعلى الذات.

  [ قصيدة عن الجزائر اسمها "هذي63[]63ولجمل قعوار ]

الطريق" تتضمن ذلك الموقف المسؤول بوضوح، و الواقع ان ثورة الجزائر فجرت نوعا فريدا من الشعر في فلسطين

المحتلة، و أوقدت حوافز جديرة بالتأمل. 

فالشاعر حبيب قهوجي الذي غنى قبل ذلك لثورة مصر و فاتحا المجال امام انعطاف جذري في شعر1956معركة

المقاومة قفز به نحو التصدي المباشر لموضوعاتهاالساسية، يقول في قصيدة عن الجزائر:

دم االحرار لم يذهب هباء

تقدسه شعوب الشرق طرابمعتكر الدجي أمسى شهاباوتبذل دون حرمته الشبابا

ثم يقول:فيا شعب العراق ، إالم نوم

فدونك في الجزائر كيف تمحىيحد تمرد الطغيان نابا

جيوش البغي تعطينا ضرابا ان هذا النداء المباشر للعراق، لتفجير الثورة التي انفجرت

، قد حدا بالشاعر نفسه في1958بالفعل فيما بعد، في وقت الحق للمشاركة في انشاء حركة "االرض" التي لعبت

دورا اساسيا في المقاومة داخل فلسطين المحتلة. 

في تلك المرحلة بالذات التي امتدت من ثورة مصر في . كان الشعر الغالب في االرض1960 الى عام 1952

المحتلة هو الشعر الملتزم بالصيغة الكالسيكية من حيث الشكل، و بما يشبه الخطابية من حيث النبرة، منسجما في ذلك مع الزلزال االجتماعي و السياسي و الثقافي الذي كان يجتاح المنطقة العربية، في الوقت نفسه الذي كان ينسجم

فيه مع مرحلة اولية من مراحل تطوره و نشوئه. 

في تلك الفترة بالذات غنى شعراء عرب عديدون ثورة الجزائر، فباالضافة للشعراء الذين ذكرناهم توجد قصائد

طويلة لراشد حسين و أبي أياس، ومحمود دسوقي وجمال قعوار وحنا أبو حنا، وابن الرامة، وعصام عباس، وفوزي

[، ولكن مما ال ريب فيه ان64[]64االسمر، وغيرهم] محمود دسوقي قد دخل الى تفاصيل التفاصيل، بكل شيء

يتعلق بالعرب، أكثر من سواه.طابع تلك المرحلة يلخصه راشد حسين في قصيدته:

سنفهم الصخر إن لم يفهم البشر

دم الجزائر صدر الفجر كعبتهان الشعوب إذا هبت ستنتصرو ناره فوق صدر البغي تستعر

ويقول حنا أبو حنا في قصيدة طويلة اسمها رسالة منمناضل جزائري الى ولده:

ولدي! ألجلك قد حملت سالحيو رأيت شعبي سيل نار دافق

واذا اللهيب، بريق عينك ساطعافالجل تحرير الجزائر ثورتي

وال جل رغدك ثورتي وكفاحيمتوثب في موكب األرياح

و عيون شعبي الثائر الطماحوألجل رغدك و ثبتي وكفاحي

ولكن، كما رأينا، فان الصياغة الفنية، التي جاءت فبهذه المرحلة على هذه الصورة الخطابية لم تكن على

المضمون، و لقد استطاعت تجارب شعراء المقاومة، من خالل الممارسة، ان تطور الشكل الى الصيغة المعاصرة

الحديثة، وفي هذا النطاق جرى التطوران: الشكل و المضمون، في اتساق وانسجام و لم ينحر احدهما اآلخر،

فيما ظلت جذور االلتزام و المعاداة في أصلها هي الرابطالجوهري في هذا التطور.

  على هذا االساس، تلقى شاعر مثل توفيق زياد كارثة

مرة أخرى على هذا الصعيد،1967الخامس من حزيران بثبات:

ثم.. ماذا بعد؟ ال أدري، ولكنكل ما أدريه ان االرض حبلى والسنون..

ثم يقول:فارفعوا ايديكم عن شعبنا

ال تطعموا النار حطب

كيف تحيون على ظهر سفينةوتعادون محيطا من لهب؟

وينتهى الى القول:كبوة هذي

وكم يحدث ان يكبو الهمامإنها للخلف كانت

خطوةمن اجل عشر لالمام!

وفي الحقيقة، فان البعد العربي في االدب الفلسطيني كان دائما ظاهرة أساسية. و ليس ارتباط أدب المقاومة

الفسطيني الراهن بهذا البعد، و تعميقه و وعيه، اال استمرارا لتلك الظاهرة تاريخيا، و لك هذه المالحظة هي عنوان

لموضوع آخر.***

لقد رأينا، باختصار، اوال كيف يرتبط أدب المقاومة في فلسطين المحتلة الى بعد اجتماعي و يطرح والءه للطبقة

الكادحة التي على أكتافها تعلق لمقاومة بنادقها و مصيرها]65[]65.]

ورأينا، ثانيا، كيف يحافظ أدب المقاومة على هذا االرتباط االجتماعي التقدمي في ممارسته لبعد آخر من ابعاده و هو

بعد االلتزام بالثورات التحررية في العالم. ورأينا، ثالثا، كيف يرتبط أدب المقاومة ببعده العربي ارتباطا

عضويا راسخا، دون ان يفقد وضوح نظرته االجتماعية فيهذا االرتباط، و مع ادراك عميق لمعناه و ضرورته و اصالته.

  ورأينا ان هذه االرتباطات تحدث ضمن اطار من االلتزام

بقدسية الكلمة و االيمان الذي ال يتزعزع بدورها و قيمتها و التمسك بمسؤولياتها كسالح أساسي في حركة المقاومة

التي تشمل معنى أوسع بكثير من مجرد المقاومة المسلحة.

ولكننا قلنا أيضا ان هذه االرتباطات الثالثة، في اطارها من االلتزام الفني المسؤول، تظل تدور حول محور أساسي هو

التصدي الشجاع للمعركة المباشرة، اليومية و القاسية والباهظة الثمن، مع العدو المحتل الذي يجثم بثقل مباشر

على صدر الوجود العربي، في فسطين المحتلة. فكيف يعبر أدب المقاومة عن هذه المسؤولية المباشرة، و كيف يخوض معركتها، دون ان يفقد ارتباطاته االجتماعية و

العربية و الدولية؟ 

ان أدب المقاومة في هذا النطاق، غزير االنتاج، واذا كانت الظروف التي يعرفها الجميع تحول دون تعقب دقيق لحركة االنتاج هذه على جميع المستويات، فان ما يتوفر بين أيدينا

اآلن يكفي كنموذج. لقد رأينا كيف تصدي توفيق فياض في مسرحيته "بنت

الجنون" من خالل صيغة فنية متقدمة الى المهمة المباشرة للمقاومة، حين تخلص من تشوشه في لحظة مواجهة ناصعة

الوضوح، قرر فيها، مباشرة وبحسم، أنه لن ينسى، وأنهيرفض االقتحام المعادي، وانه سيقاتل وحده.

سنرى محمود درويش في لحظة مواجهة مماثلة، تشكل نوعا فذا من الصحو الدائم، حين يقول، رافضا التنصل مهما

كانت براعة الصياغة:ذليل أنت كاألسفلت

 ذليل أنتيا من يحتمي بستارة الضجر !

وثمة لحظة مماثلة، عند سميح القاسم:.. وأخاف، أخاف من الغدرمن سكين يغمد في ظهري

لكني .. يا أغلى صاحبيا طيب .. يا بيت الشعر

رغم الشك، ورغم االحزان

اسمع اسمع وقع خطي الفجر عبر هذا الصحو، الذي يعي تماما جوهر المواجهة، وقف

شعر مقاومة العربي في فلسطين المحتلة مؤرخا ليوميات المقاومة الجماهيرية، جاعال من انتكاساتها وعذابها وقودا

لتجديد توق ملتهب. 

في قصة قصيرة لفوزي االسمر، اسمها "رمال ودموع" يروي هذا الكاتب الشاب الذي ولد وعاش في بلدة "اللد" قصة عربي حاول قتل سائق تراكتور اسرائيلي، والمعظلة بالنسبة للمحكمة هي أن السائق االسرائيلي ال يعرف ذلكالعربي، ولم يسبق له أن قابله ولن يعرف سببا للمحاولة.

  بالنسبة للعربي فأن المسئلة لها تفسير ومبرر، فقد شهد

عن بعد ذلك السائق يربط جذع شجرة زيتون كان يملكها، وترمز بالنسبة له الى تاريخ عائلته، محاوال انتزاعها من

أرضها، وحين اندفع نحوه ليقتله كان في الواقع يرمي الىالدفاع عن عرضه وشرفه.

  وتنتهي القصة نهاية مفاجئة حين ترفع المحكمة جلستها

لتدارس الحكم الذي ستصدره على العربي. 

وهذه "النهاية-االشكال"، هي موقف واضح ومن نوع حاسم، فحكم المحكمة ال يهم على االطالق، وأساس القضية موجود

ومحلول-في القصة نفسها، والنهاية هي أبعد ما تكون عن عالمة االستفهام التي يخيل للقارىء أنها موجودة في

السطر االخير منها. ال توجد عالمة استفهام في هذا الصدد، وإن كانت القصائد

والقصص والمسرحيات التي انتجها ادباء المقاومة تحفل بها من حيث الشكل، اال انها ال تعني اال نوعا من "االستفهام

الذاتي"، اذا جاز التعبير، غايته االساسية التأكيد بأنه يوجدجواب واحد فقط.

  لقد رأينا نموذجا لهذا "االستفهام االثباتي" في النماذج التي

قرأناها من مسرحية توفيق فياض "بيت الجنون" وهو استفهام -كما قلنا- ال يقصد الى التساؤل بقدر ما يقصد الى

اثبات انه ال يوجد أي طريق آخر.وهو استفهام من نوع:

ثم ماذا بعد ؟ ال أدري ! ولكنكل ما أدريه ان االرض حبلى .. والسنون

كما يقول توفيق زياد في قصيدته "كلمات عن العدوان".1967التي كتبتها في أعقاب حرب حزيران

وهو تساؤل من ذلك النوع الذي ضمنه حبيب قهوجي في لشهداء كفر قاسم:1957رثاء كتبه عام

جنكيزخان تثاءبت ايامه ؟أم جند هتلر للدمار ضواري ؟

وتكرر الصيغة نفسها، في قصيدة أخرى، لراشد حسين فيذلك الوقت، يرثي فيها شهداء قرية صندلة:

مرج ابن عامر، هل لديك سنابلام فيك من زرع الحروب قنابل ؟أم حينما عز النبات صنعت من

لحم الطفولة غلة تتمايل ؟ويطور محمود درويش هذه الصيغة الى درجة حاسمة:

يا وجه جدي !يا نبيا ما ابتسم

من أي قبر جئتنيولبست قمبازا بلون دم عتيق

فوق صخرةوعباءة في لون حفرة ؟

يا وجه جدي !

يا نبيا ما ابتسممن أي قبر جئتني

لتحيلني تمثال سم ؟الدين أكبر !

لم أبع شبرا، ولم أخضع لضيملكنهم رقصوا وغنوا فوق قبرك

فلتنم !صاح أنا، صاح أنا، صاح أنا

حتى العدم .. ولكن بعيدا عن هذه المسألة الجزئية التي توقفنا عندها بسبب تكرارها و ترددها في شعر المقاومة، فاننا نالحظ

ظاهرة هامة عامة، و هي توفر درجة متقدمة من التحديالواعي، القادر على تحويل العذاب الى حافز ثوري.

لقد الحظنا ذلك بوضوح في القصائد التي كتبها شعراء المقاومة في فلسطين المحتلة في أعقاب العدوان االخير، و لكن هذه الظاهرة في الحقيقة تأخذ طابع القاعدة، سواء

في مواجهة العذاب الشخصي، أو الجماعي، نهاية بالمستوىالقومي.

  فمن السجن كتب محمود درويش أروع قصائده و أكثرها

توجها باالمل و االصرار و التحدي، و هي قصيدة تذكرنا برسالة حنا أبو حنا التي بعث بها حين كان سجينا في الرملة

، يقول محمود درويش:1958عام من آخر السجن طارت كف اشعاري

اقول للمحكم االصفاد حول يدي:في حجم مجد كم نعلي ، و قيد يدي في اليوم أكبر عاما في هوى وطني

تشد ايديكم ريحا على نار.."هذى أساور أشعاري و اصراري! "في طول عمركم المجدول بالعار..

فعانقوني عناق الريح للنار !يقول ذلك ألنه يؤمن أن:المغني على صليب األلم

جرحه ساطع كنجمقال للناس حوله:

كل شيئ، سوى الندم..هكذا مت واقفا

واقفا مت كالشجر ولسميح القاسم قصيدة اسمها "رسالة من المعتقل":

أماه ! كم يؤلمني!انك تجهشين بالبكاء

اذا أتى يسألكم عني أصدقاء..لكني أومن يا أماه

أومنان روعة الحياةتولد في معتقلي

أومن ان زائري االخير لن يكونخفاش ليل

مدبحا، بال عيونالبد ان يزورني النهار..

وللقاسم قصيدة طويلة من أربعة أناشيد عنوانها الرئيسي "من وراء القضبان". و قد حالت الظروف دون معرفة

النشيدين األوسطين في هذه القصيدة اللذين صودوا ومنعا بالقوة، و لكن المناخ العالم للنشيد االول و األخير يثبتان ما

ذهبنا اليه. 

هذا على صعيد شخصي.. أما على صعيد جماعي فقد غنى شعراء األرض المحتلة األحداث اليومية التي مر بها شعبهم

االسير، و قد رأينا قبل قليل كيف سجل قهوجي و راشد حسين مجزرتي كفرقاسم و صندلة، و رأينا أمثلة أخرى في

قصص زكي سليم درويش، و عطا الله منصور، فوزي[]66االسمر و سجل الشعر الشعبي بدوره احداثا يومية ]

[ و تصدى للعمالء في نوع من التشهير الذي كبلهم وشل66 [.67[]67نشاطهم فعال، و كذلك في حاالت رثاء و تشجيع]

و قد تابع محمود درويش قضية النازحين بصورة فريدة، و نظم سميح القاسم عدة قصائد عن مجزرة كفر قاسم،

واحدة منها ال نعرف اال مطلعها، و حال الحكم العسكري االسرائيلي المفروض على العرب دون وصول آخرها، أما

قصيدته الثانية، عن كفر قاسم. التي القاها في تجمع شعبي ذهب الى القرية المنكوبة لعزاء في الذكرى العاشرة و حال الجنود االسرائيليون دون وصولهم الى القرية، فقد أدت الى

تظاهرة شعبية عنيفة. 

و بالنسبة لمجزرة كفر قاسم فقد شكلت نقطة انعطاف اساسية في الموقف المقاوم لشعراء االرض المحتلة

العرب، إذ من النادر اال يأتي ذكر كفر قاسم كشهادة دائمةعلى المقاومة.

  لمحمود درويش، كما رأينا، أناشيد كاملة في ديوانه االخير

"آخر الليل" عن كفر قاسم باسم "ازهار الدم" يخاطب فيها الشهداء الخمسين الذين جزروا في تلك القرية عشية

العدوان الثالثي على مصر، و فيها يتحول الشهداء الخمسونالى اوتار تعزف صمود الشاعر:

لمغنيك على الزيتون، خمسون وترومغنيك اسيرا كان للريح

وعبدا للمطر..ومغنيك الذي تاب عن النوم

تسلى بالسهرسيسمي طلعة الورد، كما شئت: شرر!

سيسمي غابة الزيتون في عينيك:

ميالد سحر!وسيبكي، هكذا اعتاد،

اذا مر نسيم فوق خمسين وترأه ! يا خمسين لحنا دمويا

كيف صارت بركة الدم نجوما وشجر؟الذي مات هو القاتل، يا قيثارتي

ومغنيك انتصرثم يقول:

كفر قاسم!انني عدت من الموت ألحيا، ألغني

فدعيني استعر صوتي من جرح توهجوأعينيني على الحقد الذي يزرع في قلبي عوسج

إنني مندوب جرح ال يساومعلمتني ضربة الجالد

أن أمشي على جرحيوأمشي ، ثم أمشي، وأقاوم!

ومثلما عاد محمود درويش في قصيدته هذه الى "كفر قاسم" بعد عشر سنوات من المجزرة، يعود سميح القاسم -بعد عشر سنوات أيضا- الى المكان ذاته في ديوانه "دمي

على كفي":... وزهيرات من البرقوق في صدر امرأة

وعيون مطفأةوعويل غارق في رهبة المأساة عائم

وانا ريشة نسرفي مهب الحزن والغيظ:

إله ال يساوم!يوم قالوا: سقطوا قتلي وجرحي

ما بكيت !قلت: فوج آخر يمضي

ومن بيت لبيت

رحت أروي نبأ الغلة في العام الجديدومن المذياع انباء عن العام الجديد:

"مصر بركان، وكل الشعب يحمي بور سعيدأيها االخوة، والنصر أكيد.."

يوم قالوا: سقطوا قتلي وجرحي صحت، واالدمع في عيني: مرحى

الف مرحى!يوم قالوا، ما بكيت

ومضت بضعة أيام على عيد الضحاياوأتيت..

 وتلقاني بنوك البسطاءوتلونا الفاتحة

وعلى أعين اطفالكيا أم العيون الجارحة

يبس النهر و ماتت في أغاني الحماموأنا ال أنشد للموت، و لكن:

ليد ظلت تقاوم! ولحنا أبو حنا قصيدة طويلة عن كفر قاسم أيضا، قالها بعد

عامين من المجزرة، أبرز مقاطعها:كيف العزاء؟ و كيف يسلو الويل شعب ثاكل؟

عصفت بروحته الخطوب و صارعته نوازلما زال يحمل جرحه في صدره.. ويطاول

وتسير في الدماء، على خطاه، غوائل.. ان السبيل الى العزاء تكاتف وتكافلونداء ارواح الضحايا: فلهيب الغافل!

ولهؤالء الشعراء، الدرويش و القاسم و ابو حنا، قصائد عن الحكم العسكري كقضية يومية يعاني عرب االرض المحتلة

منها، وعن الجواسيس الذين يندسون في التجمعات العربية، وعن سلب األراضي من الفالحين العرب، والى آخر ما

هنالك من قضايا يومية.

  ولسميح القاسم بالذات قصيدة الفتة للنظر: "كرمئيل"، وهو

اسم المدينة التي ابتناها االسرائيليون في الجليل، فوق أراض سلبوها من عرب قرى "دير االسد" و "البعنة" و

"نحف"، ضمن خطتهم لتهويد الجليل.. وقد أطلق القاسمعلى هذه المدينة اسم "مدينة الحقد والجوع والجماجم" :

صباح مساءيطالعنا وجوهها والسماءونبسم، ال بسمة االغبياء

ولكنها بسمة االنبياءتحداهم صالب تافة

يغطي الشموس ببعض رداء ..غدا يا قصورا رست في القبور

غدا يا مالهيغدا يا شقاء

سيذكر هذا التراب سيذكرانا منحناه لون الدماء

وتذكر هذي الصخور رعاةبنوها بأدعية من حداء

ونذكر أنا ..هنا سفر تكوينهم ينتهي

هنا، سفر تكويننا، في ابتداء ! إن االمثلة في هذا النطاق أكثر من أن تحصي، وتتوفر منها لدينا كمية هائلة باتت تدعوا بإلحاح الى اصدارها في ديوان

يضم شعر المقاومة، الظاهرة االكثر توجها ومعنى في حياتناالثقافية الراهنة.

  لقد كان شعر المقاومة، وأدبها على العموم، متفائال منذ

البدء، ولم يكن هذا التفاؤل ضربا في الفراغ، أو هما مقارا، واال لتصدع خالل عشرين سنة من األسر والعذاب، ولكنه

كان نتاجا معافي وشديد المراس إلدراك عميق ألبعاد المعركة وانتسابا اصيال لجماهيرها الحقيقة وقضاياها، هدف

المقاومة وأداتها في آن واحد. 

لقد انطلق شعر المقاومة من أرض االلتزام ومن التزام االرض، وكشف عن طريق الممارسة والمواجهة اعماقه

وأبعاده، وحقق في هذا النطاق -برغم كل المصاعب التى ال تصدق- توهجا فخورا من حيث المضمون والشكل على

السواء، يضعه بال تردد في مقدمة الحركة الثقافية العربيةالراهنة.

  ولذلك فأن أدب المقاومة، وقد ربط نفسه الى اصوله

وعرف آفاقه والتزم بارتباطاته االصيلة، لم يعرف ظاهرة التخلي، وال التنصل، وال العتاب والعويل، كان يمارس ادراكه

لدوره ومسؤولياته، وال يحجب نفسه عنها وراء "ستارة الضجر" أو المزايدة الرخيصة اوالمزاح الذي تزلزله أصغر ريح، فهو لم يكن رفاها، ولكنه كان دائما "التزاما" بالسالح

والجمال والمثل، معا. 

وهذا وحده الذي يجعل شاعرا مثل محمود درويش، وحده تقريبا في قارتنا العربية الشاسعة، يتلقى كارثة الخامس من

بثبات وصمود ويجعلها حازفا:1967حزيران )يونيو( وطني !

يعلمني حديد سالسليعنف النسور

ورقة المتفائل ..ما كنت اعرف أن تحت جلودنا

ميالد عاصفةوعرس جداول !

سدوا علي النور في زنزانة

فتوجهت في القلبشمس مشاعل

كتبوا على الجدران رقم بطاقتيفنما على الجدران

مرج سنابلوحفرت باالسنان رسمك دامياوكتبت اغنية الظالم الراحل

أغمدت في لحم الظالم هزيمتيوغرزت في شعر الضياء انامليوالفاتحون على سطوح منازلي

لم يفتحوا اال وعود زالزليلن يبصروا اال توهج جبهتي

لن يسمعوا اال صرير سالسليفاذا احترقت على صليب عبادتي

أصبحت قديسابزي مقاتل !

  الفصل الثالث نماذج من

الشعر واألقصوصة والمسرحية   

الشعر 

 طفل من شعبي

[68[]68حنا أبو حنا] 

مهداة الى ذلك الطفل وصديقه، اللذين تعاونا فرفع احدهما اآلخر ليطل على شباك غرفة سجين، وغالب العتمة في

الداخل

  حتى رآني، فحياني ثم قذف في داخل الغرفة بهذه

الكلمات:"تخفش منهم .. كن شجاع " !

خلف القضبان، من الشباك يطل جبينكهالل طفل ]هل[ علي

وضاح االشراق فتيكالنعنع غص، كالريحان شذاه حنون

 خلف القضبان يطل جبينوتشع تفتش في حلك الدهليز عيون

وترف كأجنحة بيضاءوتحوم في عزم ومضاء

تتحدى العتمة، تبحث عن آثار سجينخلف القضبان تشع عيون

عينا طفل لما يتجاوز عشر سنينيستلق شباك السجنويطل لكي يبحث عني

ويفيض على أفقي الساجي أمال و حنين***

وانا في زاوية الغرفةارقبه و في قلبي لهفة

وتساورني في األمر طنون:هل جاء به عبث وشجون؟

وتطفل طفل في أن يبصر شكل سجين؟أو أرسل يبلغني أمرايتسلق شباكي سرا

كحمامة يمن يحمل لي بشري و شؤون؟)فالشعب يحبذ بنضالهعونا من فيلق اطفالهيرسلهم كحمام زاجل

وكتائب تسعى، وتنازل(ياطير بشباكي، ما تحمل، يا غصن الزيتون؟

وصمت اراقب عينيهوتشبث قوة كفيه

بضلوع الشباك األخضركمخاطب نسر ال يقهر

وأنا أترقب.. ما سيكون؟ويوشوش صوت في قلق: هل تبصره؟

هل تبصره؟فيرد بوشوشة برما: "ال أبصره

فظالم الغرفة يستره"ويعود يحدق في عزم

ويسود سكونوترفرف، تلمع، في حللك الدهليز، عيون

ويوشوشه الصوت األول:"ما بالك ال تبصر؟ إنزل

إنزل و ارفعني، سوف اراه أنا..ثبت قدميك"

لكن ظل على الشباك يطل شجينيتحدى العتمة، يبحث عن آثار سجين.

ببو تمر على الصمت ثوانتتألق فيها العينان

ويغرد في فرح صوته: - "أبصرته..

اني أبصرته !في الزاوية هناك توارىيجلس ويطارد أفكاراوعلى الطاوة الصفراء

بعض الصحف، وصحن حساءورغيف أسود لم، يؤكل

وسجاير بقيت لم تشعلوأراه هناك يبتسمويلوح بيمناه قل

حيى، فأجبت تحيتهوكسا بالقوة طلعته

وبصوت سحري االيحاءمنحوت من ماس وضاء

هتفت شفتاه:"اصمد، ال تخشهم أبداوتشجع ال ترهب أحدا

اصمد فالنصر لمن صمدا"و تدفق في الغرفة حولية شالل رنبن

شالل أحاسيس هدارينصب على قلبي معطاريتدفق فيه الشعر فنون

وانطلق الطفل كطير عن الشباكوسكنت تقيدني أفكاري دون حراكويعربد في الغرفة حولي شالل رنينومشاعر جامحة حولي شتى وشجون

طفل؟ بل هو جيل الفجر

وبشائر ألوية النصروربيع يعبق بالزهر

يتحدى اعشاب الشرويميس بأردان العطر 

في حقل المأساة المرويصون االشواك ليدمي كف الباغين!

طفل من شعبي.. يا مرحى..طفل؟ بل هو وحي يوحى!

خلف القضبان من الشباك يطل جبين

وأنا شعب، في دهليز االرهاق سجيندرعي صبري، وكفاحي الصامد عشر سنين

وسالحي العزم اصول به وحماي حصينوجموعي تبني وحدتها في السجن عرين

وتصد بعزم قهار كيد العادينوتطل تشعشع في حللك ادهليز عيون

عينا فجر في مقلته نفخ النسرينوشرار القيد تحطمه أيد ما حنون

فجر الحرية يشرق في سجني المأفونيطأ العتمات، يبددها، ويدك سجون

ويشع على أفقي الساجي بأسا و يقينوهتافا يدفق في قلبي شالل رنين:

"اصمد، ال تخشهم ابداوتشجع ال ترهب أحدا

اصمد، فالنصر لمن صمدا"! 

[70[]70موال][69[]69محمود درويش]

 خسرت حلما جميال

خسرت لسع الزنابقوكان ليلي طويال

على سياج الحدائقوما خسرت السبيال

لقد تعود كفيعلى جراح االمانيهزي يدي بعنف

ينساب نهر االغانييا أم مهري وسيفي:"يما.. مويل الهوى

يما.. مويلياضرب الخناجر والحكم النذل فيا "يداك فوق جبينيتاجان من كبرياءاذا انحنيت انحنىتل و ضاعت سماء

 وال أعود جديرابقبلة .. او دعاء

والباب يوصد دونيقالوا: تحب الجميلةفقلت: حبي عبادةالشعر احلى خميلةوالصدر أغلى وسادةوالعرس درب بطولة!

"يما مويل الهوىيما..مويليا

ضرب الخناجر والحكم النذل فيا"

خسرت نخب األضاحيوما أضعت اللياليال بأس، إن جراحيورد الرجال الرجالمهرجان الصباح.

الريح تنعس عنديعلى حبين ابتسامةوالقيد خاتم مجدوشامة للكرامة

وساعدي للتحدي.."يما مويل الهوى

يما مويلياضرب الخناجر والحكم النذل فيا"كوني على شفتيا

اسما لكل الفضوللم ياخذوا من يديااال مناخ الحقول

وانت عندي تصليعلى يديك تصليطفولة المستقبل

وخلف جفنيك طفلييقول: يومي أجمل

وانت شمسي وظلي!"يما مويل الهوى

يما مويلياضرب الخناجر والحكم النذل فيا"

االرض أم انت عنديأم انتما توأمان

من مد للشمس زندياالرض، ام مقتالن؟

سيان ، سيان عندي!اذا خسرت الصديقةفقدت طعم السنابلوان خسرت الحديقةضيعت عطر الجداولوضاع حلم الحقيقة!

عن الورود أدافعشوقا الى شفتيك

وعن تراب الشوارع

خوفا على قدميكوعن دفاعي، أدافع"يما مويل الهوى

يما مويلياضرب الخناجر والحكم النذل فيا"

 [71[]71قال المغني] 

هكذا يكبر الشجرويذوب الحصى..

رويدا رويدامن خرير النهر!

المغني على طريق المدينةساهر للحق.. كالسهرقال للريح في ضجر:

-دمريني ما دمت أنت حياتيمثلما يدعي القدر:

..و اشربيني نخب انتصار الرفاتهكذا ينزل المطر

يا شفاه المدينة الملعونة!ابعدوا عنه سامعيه

والسكارى..وقيدوه

ورموه في غرفة التوقيفشتموا امه، وأم أبيه

والمغني..يتغنى بشعر شمس الخريف

يضمد الجرح .. بالوترالمغني على صليب األلم

جرحه ساطع كنجمقال للناس حوله

كل شئ.. سوى الندم:هكذا مت واقفا

واقفا مت كالشجرهكذا يصبح الصليبمنبرا.. او عصا نغمومساميره.. وتر!هكذا ينزل المطرهكذا يكبر الشجر..

[72[]72شهيد االغنية] 

نصبوا الصليب على الجدارفكوا السالسل عن يدي

والسوط مروحة، ودقات النعاللحن يصفر: سيدي!

ويقول للموتى: حذار!-يا أنت!

قال نباح وحش:اعطيك دربك لو سجدتأمام عرشي سجدتين!

ولثمت كفي، في حياء، مرتينأو..

تعتلي خشب الصليبشهيد أغنية.. وشمس!

ما كنت اول حامل اكليل شوك!القول للسمراء: ابكي!

يا من احبك، مثل ايماني،والسمك في فمي المغموس

بالعطش المعفر بالغبارطعم النبيذ اذا تعتق في الجرار!ما كنت اول حامل إكليل شوك

القول: إبكي !فعسى صليبي صهوة،

والشوك فوق جبيني المنقوشبالدم والندىغكليل غار!

وعساي آخر من يقول:أنا تشهيت الردى

[73[]73]أبي 

غض طرفا عن القمروانحنى يحضن التراب

وصلى..لسماء بال مطر،

ونهاني عن السفر!اشعل البرق أودية

كان فيها أبييربي الحجارا

من قديم.. ويخلق االشجاراجلده يندف الندىيده تورق الحجر

..فبكى في األفق أغنية:-كان اوديس فارسا..كان في البيت أرغفة

ونبيذ، وأغطيةوخيول، وأحذيةوأبي، قال مرة

حين صلى على حجر:غض طرفا عن القمر

واحذر البحر.. والسفر!يوم كان اإلله يجلد عبده

قلت: يا ناس: نكفرفروى لي أبي.. وطأطأ زنده:

في حوار مع العذابكان ايوب يشكر

خالق الدود.. والسحابخلق الجرح لي أناال لميت.. وال صنمفدع الجرح واأللموأعني على الندم!

مر في األفق كوكبنازال.. نازال

وكان قميصيبين نار، وبين ريح

وعيوني تفكربرسوم على التراب

وأبي قال مرة:الذي ما له وطن

ماله قي الثرى ضريح..ونهاني عن السفر!

 [74[]74الحزن والغضب]

 الصوت في شفتيك ال يطرب

والنار في رئيتك ال تغلبوابو أبيك على حذاء مهاجر يصلب

وشفاهها تعطى سواك، ونهدها يحلب!

فعالم ال تغضب؟-1-

أمس التقينا في طريق الليلمن حان لحان

شفتاك حاملتانكل انين غاب السنديان

ورويت لي للمرة الخمسينحب فالنة وهوى فالن

وزجاجة الكونياكوالخيام والسيف اليماني..عبثا تحذر جرحك العربي

عربدة القناني!عبثا تطوع يا كنار الليل

جامحة االماني!الريح في شفتيك

تهدم ما بنيت من األغانيفعالم ال تغضب ؟

ما دام صوتك يا كنار الليل ال يطرب!-2-

قالوا: ابتسم لتعيشفابتسمت عيونك للطريق

وتبرأت عيناك من قلب يرمده الحريقوحلفت لي: اني سعيد يا رفيق

وقرأت فلسفة ابتسامات الرقيق:الجمر و الخضراء والجسد الرشيق!

فاذا رأيت دمي بخمرككيف تشرب يا رفيق؟

الجمر في رئيتك،من تحت الرماد، غدا يفيق

فعالم ال تغضب؟

ما دام طبع النار في جبينك ال يغلب؟-3-

القرية االطاللوالناطور، واألرض اليباب

وجذوع زيتوناتكمأعشاش بوم او غراب!

من هيأ المحراث هذا العالم؟من ربى التراب؟

يا انت!أين اخوك؟اين أبوك؟

انهما سراب!من اين جئت؟

أمن جدار؟ام هبطت من السحاب؟

اترى تصون كرامة الموتىوتطرق في ختام الليل باب؟

وعالم ال تغضب؟ما دام لحم أبي أبيك

على حذاء الليل يصلب؟-4-

انا حملنا الحزن أعواماوما طلع الصباح

والحزن نار تخمد االيام شهوتهاوتوقظها الرياح

والريح عندك.. كيف تلجمهاوما لك من سالح

اال لقاء الريح والنيرانفي وطن مباح؟

 

 [75[]75رباعيات] 

وطني! لم يعطني حبي لكغير أخشاب صليبي

وطني، يا وطني، ما اجملك.خذ عيوني، خذ فؤادي، خذ حبيبي!

في توابيت أحبائي أغنيألراجيح أحبائي الصغار!

دم جدي عائد لي، فانتظرني:آخر الليل... نهار!

ها هنا، يا منجال كان ابييحصد القمح به في كل صيف

انا اسقيك ضياء الكوكبيا رفيق العمر، فاحصد كل حيف!ربما اذكر فرسانا، وليلى بدوية

ورعاة يحلبون النوق في مغرب شمسيا بالدي! ما تمنيت العصور الجاهلية

فغدي أجمل من يومي وأمسي!شق بالمحراث ثلما بعد ثلم

زرع القمح برفق ثم صلى للغمامهطلت زخة دم!

أطلقوا النار عليه.. هل سمعتم يا نيام؟آخر االخبار من مدريد، ان الجرح قال:

شبع الصابر صبرا !أعدموا "غوليان" في الليل، و زهر البرتقال

لم يزل ينشر عطرا!

[76[]76نشيد للرجال] 

-1-ألجمل ضفة أمشي

فال تحزن على قدميمن األشواك ..

ان خطاي مثل الشمسال تقوى بدون دمي ..ألجمل صفة أمشيفال تحزن على قلبي

من القرصانان فؤادي المعجون كاألرض

نسيم في يد الحبوبارود على البغضألجمل صفة أمشي

فال تشفق على عينيمن الصحراء ..إن مرارة الحزن

أحليها بسكر غايتي الخضراءفتصبح مثل ذوب الخمر في الدن !

ألجمل صفة أمشيفإما يهترىء نعلي

أضع رمشينعم .. رمشي !

وال أهفوا الى نوم وأرتجفألن سرير من ناموابمنتصف الطريقكخشبة النعش !

تعالوا يا رفاق القيد واالحزانكي نمشي

الجمل ضفة نمشيفلن نقهر

ولن نخسرسوى النعش !

-2-الى االعلى حناجرناالى االعلى محاجرناالى االعلى أمانيناالى االعلى أغانينا

سنصنع من مشانقناومن صلبان حاضرنا وماضينا

ساللم للغد الموعودثم نصيح : يا رضوان !افتح بابك الموصود !سنطلقق من حناجرناومن شكوى مراثينا

قصائد .. كالنبيذ النحوتكرع في مالهينا

وتنشد في الشوارعفي المصانعفي المحاجرفي المزارعفي نوادينا

سننصب من محاجرنامراصد تكشف االبعد واالعمق واالروع

فال تقشعسوى الفجروال نسمع

سوى النصرفكل تمرد في االرض

يزلزلناوكل جميلة في االرض

تقبلناوكل حديقة في االرض

نأكل حبة منهاوكل قصيدة في االرضإذا رقصت نخاصرها ..سنخرج من معسكرنا

ومنفاناسنخرج من مخابيناويشتمنا أعادينا :

" هال ، همج هم ، عرب ! "نعم ! عربوال نخجل

ونعرف كيف نمسك قبضة المنجلوكيف يقاوم األعزل

ونعرف كيف نبني المصنع العصريوالمنزل

ومستشفى ، ومدرسة ، وقنبلة ، وصاروخا ..وموسيقي

ونكتب أجمل االشعارعاطفة ، وأفكارا ، وتنميقا !

 بطاقات الى ميادين المعركة

 [77[]77سميح القاسم ]

-الى االسطى سيد1  

يا اسطى سيدإبن ، وشيد

شيد لي السد العاليشيد لك

أطفىء ظمأ الغيظ الغاليوامنحنا ، وامنح اهلك

كوبا من ماءوخضارا وزهورا وضياء

يا اسطى سيدأزف الموعد

والقرية في الصحراء العطشىتحلم

والبذرة في الثلم الصابر تحلمفادفع أشالء القمقم

في اشالء الصخر المتحطم وابن وشيد

يا اسطى سيدباسم ضحايا االهرام وباسم

االطفالإبن السد العالي

يا صانع حلم االجيال !  

- الى ثوار الفيتكونغ2 

اسمعها تهدر ملء دمياسمعها في الوديان على الغابات

على القمماسمع صرخات االحرار وقهقهة

الرشاشاسمع غارات الفاشست

األوباشوأصيح أصيح بال صوت :" الموت آللهة الموت " !

وأحس بكفي تتقلص

وأغيب لبرهةوأحس كأني اتربص

بذئاب الغزو على ارض الجبهةوأصب على األشباح النار ..

وأبكي :" من يجرع في بارات نيويورك

الويسكي ؟من يلقى في المقهى حلوة ؟من ينشد في الشارع غنوة ؟

من يحرث في امريكا ؟ من يزرعمن يحرث في فيتنام ويزرع ؟

من يبقى في المصنعمن يبقى ؟

يا آلهة الموت الحمقى في امريكايا آلهة الموت الحمقى ! "

تجلجل ملء دميفي الوديان على الغابات على القمم

غارات الفاشست األشراروأصيح أصيح بملء فني :" الموت آللهة الموت " !

وصباح النصر مشع في أعينكميا ثوار فيتكونغ االحرار !

 - الى نجيب محفوظ3

  عاشوا ، لم تصحبهم كلمةماتوا ، لم تصحبهم كلمة

فالفصحى واالوراق المصقولةواالنشاء

والحبر الغالي واالقالم الفضية

كانت مسبيةيلهو بمفاتنها النبالءوالناس البسطاء

عاشوا ، لم تصحبهم كلمةماتوا ، لم تصحبهم كلمةفاغرف من أعماق البئر

العذراءواسق العامل والفران واطفال

الحارةفالناس ظماء

أكتب عن شحذ الهمةواكتب عن أحالم االمة

منارةطوبى للحرف الشامخ في الليل

والعار ال براج العاج المنهارةوسبايا النبالء !

 - الى كاسترو4

 قدما قدما في هذا الدرب

ياحاطم اغالل الشعبقدما يا أول شعلة

في عتمة امريكا المحتلةقدما ، ما دامت في البيتأشتات االوباش الفاشست

قدما : الفجر وقضبان السكراسلحة ليست تقهر

يا غوث الجزر المنهوبةوعزاء االمم المنكوبة

رايات القرصان

ستعوض الى القيعان الى القيعانشوهاء مخضبة مغلوبةباسم الحرية واالنسان

قدما قدما يا شعبا في كوباما عاد مسيحا مصلوبا !

-الى بول روبنسون5 

من أقصى اطراف الدنياينهل غناؤك في بيتيويرفرف في قلبي

عصفورا اسمر منفيامن أقصى أطراف الدنيا

ينهل غناؤك في بيتييا أعمق صوت

ينهل غناؤك في بيتييا أقصى الفتة في الدرب

يا فاضح جور االنسان على االنسانمن أقصى أطراف الدنيا :" بالله ، خذوا أمي للبيت

كي ال تشهد موتي "وتهوم في عينيا

اشباح الكوكلوكس كالنيلهون بصلبك في الميدانيلهون بصلبي في الميدانوأفيق على ضربة طبل

ويعود الى قلبي االيمان !

-الى كريستوف غبانيا6 

ما زال طويل االظفارما زالت تقذف عيناه حمم النار

ما زالت تحميه دجيةفي قلب االدغال االفريقيةما زال يزلزلنا حقدا ال رعبا

الوحش القاتل لومومباودماء الكونغو ما زالت ، في كل طريق

وصالة الكونغو ما زالتوالليل عميق

فارفع شعلتك المشبوبةواضىء لالم المحبوبة

فالدرب طويل دون ضياءوالدرب قصير ما دامت

في الموكب رايتك الحمراءفارفعها ، ولتخفق أبدا

في الدرب على جثث الشهداءالدرب قصير

الدرب قصير !هكذا !

مثلما تغرس في الصحراء نخلةمثلما تطبع أمي في جبيني الجهم قبلة

مثلما يلقي أبي عنه العباءةويهجي ألخي درس القراءة

 مثلما تطرح عنها خوذ الحرب كتيبةمثلما تنهض ساق القمح في االرض الجديبة

مثلما تبسم للعاشق نجمةمثلما تسمح وجه العامل المجهد نسمة

مثلما يشمخ بين الغيم مصنعمثلما ينشد بعض الصحب مطلعمثلما يبسم في ود غريب لغريب

مثلما يرجع عصفور الى العش الحبيبمثلما يحمل تلميذ حقيبة

مثلما تعرف صحراء خصوبةهكذا تنبض في قلبي العروبة

***لن

واحدا تلو واحديسقط الميتون تباعا

فاخرس يا بالدي الشراعاعائد فارس الريح عائد

قطرة تلو قطرةيمطر الدمع فوق الصحاري

فابشري باخضراريا سهوب الرؤى المكفهرة

كان أمسا مقتياداسنا باحتقار وولى

وغدا لن نبيتامزقا تذرع االرض وهنا وذال

قسما جذرنا لن يموتاقسما دمنا لن يطال

الى جميع الرجال االنيقين في االمم المتحدة! ايها السادة من كل مكان

ربطات العنق في عز الظهيرةوالنقاشات المثيرة

ما الذي تجديه في هذا الزمان؟ايها السادة من كل مكان.نبت الطحلب في قلبي

وغطي كل جدران الزجاجواللقاءات الكثيرةوالخطابات الغزيرة

والجواسيس، وأقوال البغايا، واللجاجما الذي تجديه في هذا الزمان؟

ايها السادةخلوا قمر القرد كما شاء يدور

وتعالوا!إنني أفقد للدنيا الجسور

ودمي أصفروقلبي انهار في وحل النذورايها السادة من كل مكان!

ليكن عاري طاعونا، وحزني أفعوانأيها األحذية الالمعة السوداء من كل مكان

نقمتتي أكبر من صوتي، والعصر جبان وأنا... ما لي يدان!

عن روماروما احترقت قبل قرون

لكن الجذر الضارب في أرضهلم يفقد في النكبة معنى نبضه

روما عادت... يا نيرون!

 "مدينة الحقد والجوع والجماجم"

[78[]78عن كرمئيل ] 

صباح مساءيطالعنا وجهها و السماءو نبسم، ال بسمة االغبياء

ولكنها بسمة االنبياءتحداهم صالب تافة

يغطي الشموس ببعض رداء!غدا، يا قصورا رست في القبور

غدا، يا مالهيغدا يا شقاء

سيذكر هذا التراب سيذكرانا منحناه لون الدماء

وتذكر هذي الصخور رعاةبنوها بأدعية من حداء

ونذكر انا...هنا سفر تكوينهم ينتهي

هنا سفر تكويننا في ابتداء!التعاويذ المضادة للطائرات

نحن في عز الظهيرةنصف قرص الشمس يبكي في الزقاق

والدجاجات يولون على وقع البساطير الكبيرةوأبي يحشو رصاصات غبيةبين إلحاح نداءات الرفاق:

[يا ويلي على تلك الشقية79[]79"راحت "البروة"][يشتد الخناق!"80[]80وعلى "الليات"]

كنت طفال آنذاككنت أمتص حليب التاسعة

وحليب الفاجعةكنت جديا حالم العينينمن حولي اآلف الشباك

يوم قالت لي أمي بارتباك:"هذه الليلة ال تخلع ثيابك

ساعة النوموال تخلع حذاءك!"

لم أكن افهم ما تعنيه بالضبطولني بكيت!

نحن في ساعات تهويم المساءنصف قرص القمر المغدور يبكي في الزقاق

لم يعد بعد أنيوالشائعات

عن خيانات القيادةواندفاع الجيش، لكن للوراء

دفعتنا للبكاء!عسكر "االنقاذ" خرفان تولي للشمال

عسكر "االنقاذ" يلقون البنادقفي الخنادق

وعلى الوحل....يزتون النياشين وشارات القتال..

عسكر االنقاذ، يا عار الرجال![81[]81أقبح الفاتح يا ابناء "رامة"]أقبح الفاتح يا ناس

فلذوا بالسالمةما الذي تجديكم اآلن اناشيد الكرامة؟

كنت طفال آنذاكعلموي أن مجرى االرض في كف السماءعلموني انه، سبحانه، يحيي ويفني ما يشاء

علموني أن اطيع االولياءعلموني الدجل والرقص على الحبل

واذالل النساءعلموني السحر واإليمان باالشباح

والرقية والتعزيموالخوف إذا جاء المساء

علموني ما يشاؤون ولم يستنبئوني ما أشاءفرس الخضر كفيل بي

وحسبي االولياء!ياأبي المهزوم، يا أمي الذليلة!

إنني اقذف للشيطان ما اورثتمانيمن تعاليم القبيلة!

إنني أرفضها تلك الطقوس الهمجيةإنني اجتثها من جذرهاتلك المراسم الغبية

إنني أبصق أحقادي وعاريفي وجوه االولياء الصالحين

إنني أركل قاذورات ذلي وانكساريللتكايا والدروايش

واقزام الكراسي النابحين!إنني أصرخ من قعر جحيمي:

يا وحوال لصقت في نعل تاريخي العظيمإنني أحكم بالموت عليك!

فأعدي كفنا من جلد أنصاف الرجالواذا شئت، نقوشا و صليبا ونجوما وهالل

ووصايا وابتهالطرزيها بيديك!

 الرعب و البيت األخير في القصيدة، والخفافيش 

-الرعب1  

حين تغيب الشمس، قالوا، أغيب في حجرة من وطن!

احرم، قالوا، من عناق الهمومبيني وبين القمر

يرعبهم، أعلم، بث الضجربيني وبين النجوم

 يرعبهم لمسي جذوع الشجر!وفي مغيب الشمس، قالوا، أغيب

في حجرتي يا وطن،قالوا، أكون الغريبوأنت ملء البدن

فمن ترى يحمل عبر الزمن،في قلبه، وجهك هذا الحبيب

و من مغنيك.. من؟!غيري أنا.. يا وطن؟!

 -البيت األخير في قصيدة2

 صعدوا السلم..

أسمع وقع الخطوات المشبوهةأبصر تحت معاطفهم

عنوان المنزل والفوهةصعدوا السلم..

همسوا،ثانيهم يتقدم

يعقف سبابته.. ينقر بابي!ويلك يا هذا .. عكرت الصمت

ويلك نفرت الصورةعن آخر بيت.

  -الخفافيش3

 الخفافيش على نافذتي ،

تمتص صوتيالخفافيش على مدخل بيتيوالخفافيش وراء الصحف..

.. في بعض الزواياتتقصى خطواتي

والتفاتاتيوالخفافيش على المقعد،

. . . .

.. في الشارع خلفيوعلى واجهة الكتب وسيقان الصبايا

كيف دارت نظراتى***

الخفافيش على شرفة جاريوالخفافيش جهاز ما .. وخبىء في جدار

والخفافيش على وشك انتحار***

إنني أحفر دربا للنهار!

 كلمات عن العدوان

توفيق زياديا بالدي! امس لم نطف على حفنه ماءو لذا لن نغرق الساعة في حفته ماءمن هنا مروا الى الشرق غماما اسود

يطأون الزهر و االطفال و القمح و حبات الندىو يبيضون عداوات و حقدا و قبورا و مدىمن هنا، سوف يعودون، وإن طال المدى

هكذا مات، بال نعي على الرمل شهيدطلقة في رأسه، صيحة قهر ووعيدحفر القاتل في مدفعه رقما جديدا

ومضى يبحث، مثل الذئب، عن رقم جديدوعلى بضعة امتار بكى طفل وليد

عندما مر على جبهته السمراء جنزير حديدال تقولوا لي: انتصرنا

إن هذا النصر شر من هزينةنحن ال ننظر للسطح ولكنا

نرى عمق الجريمة،ال تقولوا لي: انتصرنا

اننا نعرفها هذي الشطارةاننا نعرفه الحاوي الذي

يعطي االشارة!انه سيدكم يلهثفي النزع االخير

اننا نسحبه، من أنفه، سحباالى القبر الحقير

ما الذي خبأتموه لغد؟يا من سفكتم لي دمي

وأخذتم ضوء عينيوصلبتم قلمي

واغتصبتم حق شعب آمنلم يجرم ...

ما الذي خبأتموه لغديا من أهنتم علمي

وفتحتم في جراحاتي جراحاوطعنتم حلمي

ما الذي خبأتموه لغدان غدا لم يهزم!

انكم تحيون من عشرين عاماحلم صيف ذا رواء

وتصيدون ألمر الغيرفي بحر دموع ودماء.انكم تبنون لليوم وانا

لغد نعلي البناءاننا أعمق من بحر، واعلى

من مصابيح السماءان فينا نفسا

اطول من هذا المدى الممتدفي قلب الفضاء

أي ام اورثتكم، يا ترىنصف القنال؟

أي ام اورثتكم ضفة االردن،سيناء، وهاتيك الجبال؟

ان من يسلب حقا بالقتالكيف يحمي حقه يوما

اذا الميزان مال؟ثم.. ماذا بعد؟ ال أدري، ولكن

كل ما أدريه أن االرض حبلي والسنينكل ما ادريه ان الحق ال يفنى

 وال يقوى عليه غاصبونوعلى ارضي هذيلم يعمر فاتحون

فرفعوا ايديكم عن شعبناال تطعموا النار حطب

كيف تحبون على ظهر سفينةوتعادون محيطا من لهب؟فارفعوا ايديكم عن شعبنا

يا ايها الصم الذينمألوا آذانهم قطنا وطيناننا للمرة األلف نقول:

نحن ال نأكل لحم اآلخريننحن ال نذبح اطفاال وال

نصرع ناسا آمنيننحن ال ننهب بيتا

او جنى حقلوال نطفي عيون

نحن ال نسرق آثارا قديمةنحن ال نعرف ما طعم الجريمة

نحن ال نحرق اسفارا

وال نكسر اقالماو ال نبتز ضعف اآلخرين،فارفعوا ايديكم عن شعبنا

يا ايها الصم الذينمألوا آذانهم قطنا و طيناننا للمرة االلف نقول:

ال! وحق الضوءمن هذا التراب الحر

لن نفقد ذرة!اننا لن ننحني

للنار والفوالذ يوماقيد شعرة!

كبوة هذي وكميحدث أن يكبو الهمام

انها للخلف كانتخطوة

من أجل عشر لألمام!  

قصائد قصيرة 

-ثلج على المناطق المحتلة1[86[]86محمود وسوقي]

أي شيء يقتل االصرارفي شعب مكافح ؟وطني -مهما نسوا-مر عليه الف فاتح

ثم ذابوامثلماالثلج

يذوب !

-أمثال2 

عن جدنا االولقد جاء في االمثال:"واوي بلع منجل" !كل ما تجبله الريحستذروه العواصفوالذي يغتصب الغير

يعيش العمر خائف!

 -شيء عابر3

 لست عرافا،

وال أفتح في الرملو ال أقرا النجوم

انما أعرف أن الظلمشيء عابرليس يدوم !

 - شجرة التوت4

 عندما مروا صباحا فوقهاهمست شجرة توت :إلعبوا بالنار ما شئتم

فال

حقيموت !

 - آخر مرة5

 عندما داسوا عليها هتفتجنب نبغ الماء ، زهرة :

ايها المحتل حدكهذه آخر مرة

هذهآخر مرة!

سراب 

طوق طوق، وانسف، واقتل كل األحبابواحرق بيتي، أحرق زرعي، واحرق كل كتابفمحال أن يروي ظمأ العطشان غدير سراب

صبرا لن ينتصر الناب على بسمة طفليصبرا يا أمي، صبرا أختي، صبرا واحتملي

سنسمر تلك االيدي فوق االبواب،وسنذبح ذاك الوحش بتلك األنياب

سيغني البلبل، سيعشش فوق االعتابوسيطلع فجر الشعب، ولن يطلعه غير األحباب

 حادث ليلي

 فتح الباب علينا .. فجأة ..

وانهار أرضا كالجداركان في عينيه رعب،

... وعلى الجبهة فرخا جلناروعلى الكتف اليسار

ثوبه القطني معجون مع الكتف اليسار.. . . .

لم يقل شيئا .... قفزنا نحوه ..

.. مزقت الصمت امرأة :- "أينه .. ؟ ! " صاحت: " أب أوالدي الصغار "

لم يقل شيئا .. ولكنطال من جبيبه منديال معرق

كان منديال عرفناه جميعاكان مخضوبا مخرق

 صاحت المرأة "أواه" وراحت ... تتمزق ..

. . . . - " آه كم موت علينا هذه االيام أن نهرب منه "

زفر المنهار أرضا كالجداروعلى أسنانه شد كمن يبلع سكينة نار"كنت أمشي خلفه لما سمعت المدفعالرشاش .. أمشي كنت خد .. كانت الليلة قمراء، وكان النهر مرآة، وكنا

نقطع الجسر حفاة صامتينمثل رتل من لصوص حذرين

كانت الليلة قمراء و كنا عشرة .. عشرين .. خمسينأنا ال أذكر كم ..

.. لك يا أرض العذابيا يوت الطين .. يا رائحة األهل ..

ويا حفنة عشب وتراب مثل رتل من لصوص لك كنا عائدين

نقطع الجسر حفاة حذرين

عندما انقضوا علينا فجأة مثل الذئابفتحوا أفواه رشاشاتهم .. متران كانا بيننا

آه كم موت علينا ،هذه األيام أن نهرب منه ! !لم نكن نحمل حتى خنجرا

وتساقطنا على بعض تساقطناكرف من ذباب

وهو.. ؟ ! صحنا كلنا صيحة شك وارتيابوهو.. ؟ ؟صمت ،ونشيج ،

وسكاكين عذاب. . . .

-" جمعونا كلنا في حفرتينو رموا بعض التراب

لم أكن ميتا ولما تركوناقمت .. كان النهر مرآة وكانتليلة حمراء غرقى في الضباب

وأنا أزحف في صمت وذعر وعذابوعلى األرض أمامي

و كان منديله ملقى ، فعرفته ،وحملته ... "

. . . .جلست في قرنة الغرفة تبكي امرأة حبلى

وبنت وصبيأنت يا محمرة العيني ن.. ما نفع البكاء

عندما نفس الدماءال تساوي اليوم شيء ! !

*** آه يا رائحة االهل ..

ويا بيتا من الطين ..ويا حفنة عشب وتراب

كم علينا اليوم ..من أجلكم ..

.. أن نجرع الموت ..وألوان العذاب ! !

ادفنوا أمواتكم وانهضواوعلينا كان أن نشربه ..

حتى الزجاجكأسنا المر المحنىوعلينا كان أن نذبح

.. ذبحا كالنعاج ساعة التاريخ جنا

انما ال بأس ! هذا لحمنا جسد .... على البحر األجاج

لضفاف لم تخنا أو نخنايا ترابا كله تبروياقوت وعاج

 حبنا أقوى من الحب وأغنىفادفنوا أمواتكم وانتصبوا

فغد -لو طار- لن يفلت منانحن ما ضعنا .. ولكن

من ..جديد ..قد ..

سبكنا .

 شيئ جديد

 

[82[]82فوزي األسمر]-1-

البد من يوم جديديوم ،

تخاف الشمس فيه من العبيد والفجر يهزأ بالقيود

وبالحديد ،والطفل يحتضن النشيد

ويدوس بالقدمين ثعبانا حسودويدق صدر االرض ، يقتحم السدودوالطفل في ارواحنا شيء جديد .

-2-في كل فجر عندنا ... يوم جديد

و كلى كواهلنا حديدسنزيل ذاك الصلب والحمل العتيد

سنزيلهحتى نعانق فجر أمتنا الجديد .

-3-ما قيمة االنسان ... في الديجور

في اللحن العتيق ؟في عقر قبر نوره ليل .. سحيق

في وجه بوم ،لحنها صوت النعيق

ما قيمة االنسان ان هجر الحريق ؟الشيء بعد الهجر يكنى بالجديد .

-4-ما قيمة الحب الملفع بالنعيم ؟

في فجر يوم .. غائمسئم ... عقيم

الحب قد مج الغيوم

وعانق الفجر الجديدالحب في ارواحنا شيء جديد .

***المعبد القديم

 في معبدي القديم ، لم أزل

ألملم في موقد اللهباصوغها نغم ،

انشودة من العزاء ... واالملولحنها ،

من لحن نارنا ، وحبنا الكبيرمن نور قلبنا المنير

 من جرحنا ،من جرحنا الذي يلون العبير

من زند ذاك االسمر الصلب الذي يفجر الصخور من أرضنا الثكلى ومن الربيع على الزهور !

في المعبد القديمعيون شمعنا تذوب في ضجردخانها يفيض .. في غضب

ليلثم الجدار !ويترك الظالم بقعة من عارنا على جبين

 سقفه القديم .ما زال ذاك المعبد القديم

يغوض في بخورنا ،في كل يوم نحرق البخور

هدية لله لنفس ربنا القديم !

و يخرج الدخان مجمعا في حلقة الضباب

من غير لون

من دون رائحةكأن نارنا رماد وكبشنا هباء !

في المعبد القديمما زال صوتنا يردد النشيد

مع الف تائة شريد لربنا القديملربنا القديم

لنفس ربنا القديمكي يقبل النشيد

ونارنا... وكبشنا السمينويقبل البخور

 هدية من قديم !هذي الطريق

"قال عقبة بن نافع و هو ينظر الى المحيط بعد ان تم فتحالمغرب:

و الله لو أمرني الجهاد بخوض هذا المحيط بحصاني هذالفعلت.. "

عزت معانقلنامشحونة بالحقد يغلي في مراجلنا

وبطولة كالوردتعبق في خمائاناومضت قوافلنا

للمجد رواها فخار من مناهلناتروي عن االرض الخصيبة

بالدماءوعن الكرامة واالباء

قصصا تضوع على منازلنانصرا بالد المجد

قلب المجد تؤويه منازلنانصرا بالد الله

روح الله في دمناالله في دمنا

الحقد ،حتى تنجلي اآلفاق عن شمس

تعانقها مشاعلناانا سليلو طارق

 أو من مضوا مع طارقللفتح عبر المغرب

كل يقول أنا الفتى العربفي الدم ثورتي وتوثبي

حملوا للذريق الزؤام من السماءمن المضاء اليعربي

حرقت سفائنهم سواحلناانا ورثنا الحرب

ال كان التخاذل في شمائلناانا ورثنا صيحة لله

ما زالت تدوي في سواحانا-والله لو أمر الجهاديخوض هذا البحر

[83[]83الندفعت قنابلنا]بالحقد

حتى تنجلي اآلفاق عن شمستعانقها مشاعلنا

 وهم

 [84[]84نزيه خير]

مزارع الضباب في قلوبهمو في عيونهم ضراوة الحريق

مداوا يد المصيرلعالم بال مصير

ورحلة التيار قصةتمر في نفوسهم

تعود في مدارج الشقاءمنزوعة ..

من كل ما في الصبح من رجاءمنزوعة من فجرها االصيل

- والوهم - لم يزل خلودهم .. ولم تزلمزارع الضباب في قلوبهم

وفي عيونهم ضراوة الحريق .. !

 منسية الميالد

 ميالدها .. ومضى بغير حكاية

تروي لقاء***

الناس باالعيادال ضمة .. ال

***همسة عطريةرضيت تراقص

*** شمعة الميالد

ربيت في الميالد***

حزمة نرجسفمضى و نرجسي الحزن

***

يهاديال تحزني .. فغداة يصحبك الندى

في نجوة تهفوا***

الى الميعادو غداة آه من غداة اذا

***هوى

فعلى طالل و ثوبة ***

 انشاديو على مشارف

***صبحة قمريةنجالء كحلها

***النسيم النادي

ال تحزني .. ما كان يضني قولهم :مسكينة ..

***منسية الميالد .. !

 الجياد

 [85[]85راشد حسين]في بالد اآلخرين

 يولد الطفل صغيرافيصبون على أيامه دفئا ونورا

ثم يروون له من قصة الشمسسطورا

واذا الطفل الذي كان صغيرارجال يصبح .. إنسانا كبيرا !في قرانا يولد الطفل أميرا

فيصبون على عينيه ليال ونذوراوعلى جلدته الرخوة يبنون قصورا

واذا الطفل الذي كان أميراقزما يصبح .. إنسانا صغيرا

يشرب الوحل ويجتر القشورافي بالد اآلخرين

يكبر الطفل و تنمو معه كل المعانيوعلى جبهته تنمو نجوم وأمانيفي قراتا.. بين طيات الدخان ..

يكبر الطفل لكي تكبر بالطفل التهانيليقولوا : " أصبح المحروس حلما

للحسان" ..او " عريسا " صار .. في سن

الزواج ابن فالنواذا جيل من العرسان يجتاح

بالديجيل اطفال كبار .. كالجياد !

مألت اذهانهم اشباح تفكير رماديفاالماني تنتي عند " سعاد "

عند اقدام "سعاد "عند حناء على كف " سعاد " !ليت أهلي يلدون الطفل طفالثم ال يرمون في عينيه وحالعله يزهر في ارض بالدي

جيل فرسان جديد .. في بالدييلد االطفال اطفاال صغارا

ثم يغدون رجاال.. يمألون الليل نارا

علني المح من حولي نسوراال عصافير يقلدن النسورا !

في بالدي اآلخرين تقلق الناس النهايةفي قرانا تقلق الناس البداية

همهم ان تلد الزوجة مولودا ذكرليقولوا " انها بنت أصيل مفتخر .. "

"وضعت طفال ذكروجهه وجه القمر"

ليقولوا : "زوجها فحل عظيم ..رجل"

او " جواد عربي .. بطل ال يخذل "" ابنه البكر ذكر

وجهه وجه القمر " !بعد هذا ليصر ابنهم راعي ذبابوليكن دودة ارض .. كل ما فيها

تراب !وليكن ابكم .. أعمى .. وليكن بوم

خرابوليمت والده ولتمت والدته

ولتمت من فرح قابليتهفهو مولود ذكر

وجهه وجه القمرامه بنت نبيل .. فرس ال تعثر

زوجها فحل أصيل .. بطل منتصر !وطن ي.. قل لي يا وطني

مرة تغرقنا بالضوء ال بالوسنبعد أن أغرقتنا في عسل في لبن

عل اسواق الجواري تتهدمو الجياد السود للنار تقدمعل ارتال العصافير تدور

  واذا هن صقور ونسور !خواطر واصداء

وبكت تعزيه السماء فزادت المنهوك وجداهل غارق في اليم يطلب من سماء الكون مدا

ويريد أمطارا تجمد جسمه فيزيد جهدا ؟ال يا سماء ، توقفي ! فالبائس المحزون هدا !

سر يا أخي ال تأس ، إن الهزء باألرزاء أجدى في صفحة التاريخ نحن نحظ فوق المجد مجداسر جدد األمل الوئيد وال تكن لليأس عبدا !

السجن والكفاح[86[]86محمود وسوقي]

 لن يرهب ، السجن احرارا لنا سجنوا

او عذبوا بنواحي األرض واعتقلوالن يرهب السجن آسادا مزمجة

ال ترهب النفي و التعذيب ما فعلوالن يرهب السجن من أمالكه سلبت

و بيته درست آثاره " القلل "أضحى يهيم ، فال أرض وال بلدو ال بيوت و ال مال و ال عملأين العدالة يا من تدععون بها

 أفي العدالة " تصريح " و " معتقل " ؟أفي العدالة " تركيز " " مصادرة

و" حاضر غائب " فيهاى كم الرجل"ثوروا على الظلم والطغيان واتحدوا الى

متى شعبنا للظلم يحتملسيروا نحطم قيدا قد عاله صداو نهدم الظلم ، ال خوف وال وجل

مرت سنون على االوطان حالكةفما رأي ظلمنا آباؤنا األول

" دافيد " فكرت ان السجن يرهبنالن نرهب السجن والتعذيب .. فاعتقلوا !

هنا نثور على ظلم يحيق بنا و شعبنااليوم كالبركان يشتعل ..

شعب وخيامبالدي أيكفينا لثم التراب

و هذي الحجارة بعد الغياببالدي انبقي نزيلي الخيام انبقى

نرافق مر العذابأيبقى الشقاء حليفا لنا

أما كنا في المهد صرنا شبابأتبقى على البعد آالمنا

واحالمنا في البعد شبه السرابأنبقى نعيش بهذي الخيام

وجوف الكهوف وفوق الهضابو أرض ودار وزيتونه

تنادي و تندب فوق الصحابتحن الى اهلها النازحينتبلل بالدمع وجه التراب

بالدي اعلمي في دمي ثورةأنا عائد رغم كل الصعابانا عائد رغم هذي الحدودالى دارنا بعد طول الغيابأنا عائد زغردي يا طيور

و زفي الى االهل بشرى اإلياب 

األقصوصة 

 [87[]87وأخيرا: نور اللوز]

 أبو سالم

"في السنوات الرومانسية من صباي قرأت رواية ديكنز، "قصة مدينتين"، واستبطلت سدني كارتن الذي ضحى بحياته النقاذ زوج المرأة التي احبها، حين بادله اللباس

والمكان في الباستيل، وتحت شفرة المقصلة. 

ومثل غيري من الناس لم يصمد بطل من ابطالي للبلى. بل اقبلوا وادبروا مع اقبال العمر ومع ادباره، حتى لم يبقى لي

بطل سوى فيلسوف هيجو، جرنجوار اآلفاق البائس، في "احدب نورتردام"، الذي، حين طلبوا منه المبادلة نفسها

النقاذ ازمرالدة الغجرية الحسناء ورفض، فسئل عما يجعله شديد التعلق بالحياة، اجاب: سعادتي الكبرى في قضاء

األيام كلها، من الصباح الى المساء، مع رجل عبقري هو أنا،وهذا شيء جميل جدا".

- والعروبة ؟ - هال أقلعت عن العتاب والتهكم في مقابلتنا االولى هذه،

بعد انقطاعي عنك عشرين عاما؟ وهذا ما اردته بالضبط حين ذكرت االستاذ "م" بالعروبة، وقد

فاجأني بزيارة ليلية اثارت دهشتي، وأثارت شكوكي،ورجاني ان استمع اليه ببال طويل.

  لقد كنا صديقين حميمين في سنوات االبتدائية فالثانوية.

وكنا، سوية، مؤسسي الجمعية السرية االولى في مدرستنا االبتدائية لمحاربة االنجليز، التي لم يكن فيها سوى العضوين

المؤسسين، ولم تترك أثرا سوى عادة التدخين المزمنة والتي اعتبرناها من مقتضيات العمل السري. ولبسنا

النظارات الشمسية السوداء، اخفاء لدموع الرجال، حيناحتفلنا بانهاء الدراسة الثانوية، وتوادعنا وتواعدنا.

  اذ افترقت طرقنا فيما بعد. فسافر " م " الى القدس النهاء

دراسته في الكلية العربية، ثم رجع الى بلدنا حيث عمل مدرسا لالنجليزية في مدرستها الثانوية وال يزال في هذه

الوظيفة حتى اآلن. 

ومنذ ان قامت اسرائيل انقطعت صلتي به انقطاعا تاما. وحتى المرحبا اخذ يتحاشاها حين نلتقي عرضا في الطريق. وكانت آلمتني هذه القطيعة في بدايتها، حتى تعودت عليها،

واسقطته من حياتي مدركا انه من ذلك النوع من الناس، أشبه ما يكون بامرأة كانت في عزوبيتها ال تقوم عن قراءة قصة حتى تقع على غيرها، فلما وجدت الزوج، لم تعد تقرأ

شيئا، وال قصاصات الجرائد في دورة المياه. 

وصاحبنا، الذي كنت واياه نتنغم سوية بفتوحات خالد بن الوليد، وبمراثي المتنبي، وبكفرانيات ابي العالء -العروبة، قد

تزوج الوظيفة. فكيف وشأنه ان يحافظ عليها في اسرائيل حيث من مستلزمات ذلك ان تنكر كل صلة بصديقك

وبقريبك اذا كان من المشاغبين على السلطة، ولو كانأخاك ابن أمك وأبيك؟

ثم طرق بابي فجأة، في ذات ليلة من الليالي ألتي أطبقت بعد حرب االيام الستة. وقعد قبالي بعد قطيعة عشرين

عاما. وقال: استمع حتى النهاية.فما الذي حط في قلبه أسدا، فتجرأ على زيارتي ؟

ووصل االستاذ " م" ما انقطع حديثه: - سقط سدني كارتن من ألبوم أبطالي مع شعرات شفرتي

االولى. ولكن عنوان رواية ديكنز - "قصة مدينتين" - ظل يالحقني ويسرحني ويؤثر على ذوقي طول هذه السنين

الطويلة. وكان هذا التأثير يظهر بأسكال حيرتني في بادىء االمر. ثم استسلمت له. بل اصبحت احمله معي عاطفا

عليه، معزا له كما يحمل انسان تعويذة كانت والدته علقتهابعنقه منذ الطفولة.

وفي بداية عهدي بهذا التأثر الغريب شرعت في كتابة "قصة مدينتين" من تأليفي، مدينتين من بالدنا، حيفا و الناصرة. و

كتبت فصلها االول، فاذا القصة تنتهي به، فطرحتها. ثم قررت ان اتخصص قي موضوعين، االنجليزية و المحاماة. و

لكننني لم أفعل. و عاجلت قرض الشعر بالنجليزية و بالعربية، فقرضت الهواء، باللغتين معا. و يؤلمني انني لم أنجب سوى ولد واحد، فانني راغب في ولدين اثنين رغبة شديده. و عليك ان تسأل ابنك الذي أعلمه في المدرسة

الثانوية فيخبرك ا نني ال أعطيهم للقراءة سوى كتابين معا، و شاعرين للحفظ، و أديبين للمقارنة، و ساعتين لالمتحان.

و أشاء أخرى في حياتي، ال ضرورة الى ذكرها، تؤكد سيطرة هذه االزدواجية، في ذلك العنوان السحري -"قصة

مدينتين"- على ذوقي وعلى عقلي. و لكنك، و ال شك، الحظت هذا االمر حين كنا صديقين في شبابنا. هل نسيت

انكم كنتم تلقوبني بأبي الذقنين؟- كنت ضخما و منفخ الوجنتين.

- ال. بل كنت مثلكم بذقن واحدة. و أما هذا اللقب فعلق بي كنت أحب ترديد القول: "ال تهمني ذقن ممشطة او ذقن نخططة": ذقنان، ذقن رجل و ذقن امرأة، اثنان، "قصة

مدينتين"، هذه هي االزدواجية، تعويذتي التي حملتها حولعنقي منذ الصبا.

  )ان صاحبي القديم هذا انسان مرتب، في هندامة و في

كالمه، و هو مسرف في حديثه دون تكلف. متركه على هواه كما عودته فيما مضى. خصوصا و انني دهشت من زيارته المفاجئة، و أردت أن أستشف غرضه من هذه الزيارة. و

لقد اعتقدت انني بدأت أفهم غرضه. قلت في نفسي: أحد أمرين -اما ان وازعا من ضميره ايقضته الحرب فدفعه اآلن، بعد عشرين عاما، الى تبرير انقطاعه عني بهذه االزداوجية.

و أما ان واحدا ما قد أرسله الي المر ما، و هو يريد ان يسترد صداقتي بالحديث عن هذه االزدواجية السحرية.

فاحترست منه و تشوقت الى نهاية حديثه(. 

فقال: لذلك لم تطل دهشي حين ارتقت بنا السيارة، الول مرة بعد

حرب حزيران، في منعطفات طلعة اللبن اللولبية، قيالطريق من نابلس الى رام الله.

  فلتت مني شهقة حين عبرنا المنعطف االول، وارتج لساني ومقود السيارة في يدي. و هتفت بزمالئي الذين كانوا معي

في السيارة: عشرين عاما و أنا أحلم بهذه المنعطفات اللولبية. هذه الطلعة لم تغب عن ذاكرتي يوميا واحدا. اني

أتذكر كل منعطف فيها. هي اربعة فعدوها. و هذه الجبال المشرئبة تحرس السهل االخضر. هي عشرة فعدوها. و هذا الهواء النقي، هذا االريج أعرفه. اني استنشق رائحة رافقتي

طول العمر. هذا المكان مكاني!. )فهمت! اآلن فهمت لماذا جاء هذا المسكين الي بعد

انقطاع عشرين عاما. يالصديق الصبا، كم قسا الدهر علينا! عذرا على شكوكي. و كدت أقوم كي أعانقه. و لكنه لم

يمهلني(.فلم ينقطع االستاذ "م" عن حديثه:

-بعد الحاحي رضي زمالئي بأن اوقف السيارة عند المنعطف االخير، الرابع. و نزلوا معي لنستنشق ذلك الهواء و لنمالء عيوننا بمشهد الجبال و السهل المحروس. و اشجار اللوز

تمأل السهل و الجبل، أما كان أجدر بهم ان يسموها منعطفات اللوز؟ و كان شيء في داخلي يدعوني الى

السجود. و كان شيء في عيني يذوب دمعا.. و شعرت شعور المشاهد عجيبة تقع أمام ناظريه. و كأني أحيا مرة

ثانية سني شبابي الماضية، في مراتع صباي، ال أراها فقط بل أحياها، و استنشق هواءها و أحس بدماء الصبا، مع زائحة

الطابون و القطين تجري مشبوبة في عروقي. 

و لكن زمالئي لم يمهلوني. و سرعان ما أسقطوني من شواهق منعطفاتي الى واقعي في الحضيض. هذا يريد

متابعة السفر حاال الن تصاريحنا ال تنص على انه يسمح لنا بالنزول في طلعة اللبن. و هذا يتهكم على ذكرياتي عن هذه

الطلعة بأنني في يوم من االيام، قبل عشرين عاما، قد بولت في أحد منعطفاتها. و غير ذلك من الكالم الذي ألفناه

نحن االساتذه حين نبتعد عن طالبنا و عن زوجاتنا. 

و ظلت طول الطريق الى رام الله فالقدس فبيت لحم، و في العودة، أهجس بهذا االمر المدهش، و استرحم ذاكراتي ان تستعيد ما وقع لي من أمر، في شبابي، في هذه الطلعة،

جعلني أقف مأخوذا أمامها، ال أريد مفارقتها أبدا. 

و لكن دون جدوى، حتى وصلنا اليها في العودة فهبطناها دون توقف. فرآني أحد زمالئي مهموما. فوضع يده على

كتفي مواسيا، و قال: هي شبيهة بطلعة العبهرية، فيالطريق من الناصرة الى حيفا، فلعل االمر اختلط عليك.

 فرفع حجرا ثقيال عن صدري.

منذ حوالي عشرين عاما و أنا اسافر الى حيفا مرتين في االسبوع، حيث أقدم دروسا اضافية في احدى مدارس

الثانوية، فأمر بطلعة العبهرية ذهابا وايابا. اقنعني زميلي بهذا التفسير البسيط، مع علمي بانعدام الشبه بين الطلعتين، النني أعرف سر نفسي وضعفي بقصة المدينتين . الشك

في أن طلعة العبهرية ارتبطت دائما في مخياتي بطلعةاللبن. قبلت هذا التفسير، و أزحت عبثا ثقيال عن صدري.

  )يا لالنسان! أيذبح في ذاكرته ذكريات ال يقوى على

احتمالها؟ كنت احسب أن فاقدي الضمير تتحجر قلوبهم، فال يشعرون بتأنيبه. فاذا االمر مختلف. و اذا االنسان اعجز من

أن يقتل ضميره، فيقتل الذاكرة! اذن، لماذا جاء يحدثنيبهذه الحكاية؟(.

وقال صاحبي القديم: -تذكر ان لي معارف وأصدقاء عديدين في الضفة الغربية.

من ايام الدراسة وفيما بعد. أستاذه و محامون و اطباء ورجال أعمال وسياسون ووزير ومستوزرون. و لقد زرتهم جميعا. ووصلنا ما انقطع من ذكريات ومن صداقة. وعادوا

كما كانوا قبل عشرين عاما من حياتي. وال يمضي أسبوع اال و أزور أحدهم او يزورني. كنت في الماضي توهمت انهم

نسوني، واستحوا بي، وانهم قطعونا من شجرة حياتهم كمايقلم الفرع الجاف لتنمو و لتورق.

ولكننا فرع اورقته الحياة. -صدقت. جئتهم في بادىء االمر متعثرا، غير متأكد من

استقبالهم. فوجدت ما لم أكن أتوقعه من حنين الى صداقة قديمة، و من اعتزاز بها. و وجدت أنهم كانوا يتتبعون أخبارنا. و كانوا يلتقطونها من فم الطير. ووجدت انهم يضعوننا أعلى

من الموضع الذي وضعنا أنفسنا فيه. وكنت رغبت في أن أخفي عنهم انطوائي في الصدفة عشرين عاما. فاذا بهم

يعرفون ذلك ويبررونه على غير ما أرى نفسي. لقد رفعوا من قدري فارتفعت. وشالوني فطالت قامتي، فأصبح رأسي

فوق الضربات. ولذلك قلت لك انهم عادوا جزءا عزيزا من حياتي، تلك التي

عرفتها انت قبل عشرين عاما.-فهل زرتني الليلة بقامتك الطويلة، علنا ؟

-وهل استطيع أن أزورك اال علنا !-وهل، لهذا، زرتني ؟

-ال. بل المر يقلقني ويؤرقني. قلت لك ان دهشتي لم تطل حين أهاجتني طلعة اللبن ومنعطفاتها. فقد أعدت شعوري هذا الى تعويذتي التي الزمتني طول حياتي، الى ازدواجية

تفكيري ومنطقي، والى اتصالي المستمر بطلعة أخرى، هيطلعة العبهرية.

وصعدت منطفات اللبن وهبطتها عشرات المرات منذ ذلك الوقت. وحين كان الحنين اآلسي الغريب اليها يدهمني كنت

أعلله حاال وأريح ضميري. حتى جاء ذلك اليوم من أيام شباط الماضي، حين عدت مع

زوجتي وولدي من زيارة أصدقاء لنا في القدس القديمة. وكان الوقت ظهرا حين بدأنا نهبط منطفات اللبن. زكانت

براعم اللوز تتفتح. والوانها البيضاء والحمراء تتعانق فينشوة ربيعية رقصت الجبال العشرة كلها.

- بأي لغة نظمت هذه القصيدة ؟-بلغة عيني وبلغة قلبي. وستسمعني حتى النهاية :

وظلت زوجتي تلح علي بأن اوقف السيارة، حتى نلتقط اغصان لوز منورة تزين بها البيت. ولم أرضخ لطلبها اال في المنعطف االخير، االدنى، تقوم شجرة لوز عتيقة اعتقد انها

كانت موجودة أيضا في أيامي السابقة.فنزلنا وقطعنا اربعة أغصان ابتسمت لنا وابتسمنا لها.

وحين سألتني زوجتي: هل اذا زرع غصن اللوزفي الترابينمو شجرة، اقبض صدري وبدأت أتذكر.

هل تذكر انه في مطلع شبابنا كان لنا صديق، احب فتاة منالقدس او من بيت لحم، من هناك، وكنا نحب حبه ؟

-كنا أحب، وكنا نحب حبه. -بلهذا الصديق كان حبه أجمل من حبنا. وكانت له قصة. وكنا

في رحلة. ونزلنا أمام تلك الشجرة في باب طلعة اللبن. و كنت هناك بيت. وكان فيه دجاج وابقار. والبيت ال يزال قائما

ولكنني ال أرى الدجاج وال أرى األبقار. واستسقينا سكانه ماء. واذا بفتيات، في رحلة من القدس، وهن يقطعن اغصان

اللوز المنور. وكانت بينهن صاحبة صاحبنا. والتقيا، وناولتهغصن لوز منور. وفررن. هل كنت معنا ؟

-وماذا بعد ؟ -اني أذكر عنه قصة جميلة. ال أدري اآلن كيف وصلت الي.

فصاحبته قطعت فرعا من الغصن وقدمته اليه واستبقت الفرع اآلخر. وتعاهدا على ان يحتفظا كل بفرعة، وان يلتقيا في الربيع القادم، حين ينور اللوز، فيأتي بأهله ويخطبها من

أهلها. فكيف كانت نهاية قصتهما الجميلة ؟-وما اهتمامك كل هذا االهتمام بأمرهما ؟

-لست أدري. ولكنني احسب ان دافعا قويا يدفعني الى ان افتح صفحات صداقتي القديمة، كلها. كأنما أريد ان أشد

حاضري الى روابط ماضي، كلها، حتى ال تنفصم أبدا مرة ثانية. كان ذلك الماضي فياضا باالمل. وكان يحتضن الدنيا

وما فيها. وكان نقيا مفتوحا كعيني طفل. وكأنني اليوم أريد ان أتعلق بخيوطه حتى انتشل نفسي من هذا الحاضر. فهل

تراني غريقا اتعلق بحبال الهواء ؟-ثم ماذا ؟

-منذ حرب حزيران وانا أتجول كالملهوف بحثا عن االصدقاء القدامى. وكلما التقيت أحدهم تأججت لهفتي الى لقيا

اآلخرين. ومنذ ان تذكرت قصة صاحبنا هذا وانا أفتش عليه، وأبحث عنه، فال يذكر أحد من أصدقائي قصته. وقد أوقعتني

هذه اللهفة في مآزق. وكدت أن ال ألقى صديقا من أصدقائي القدامى اال والح عليه بأن يخبرني كيف تعرف

على زوجته ! ولم يبق من أصدقاء الصبا من لم أسأله عن صاحبنا هذا

سواك. لذلك جئت اليك. فهل تذكره وتريحني ؟ -كنت دائما غريب االطوار يا صاحبي. ولكنك الليلة أغلب ما

كنت. فما هذا اللهفة على معرفة أمر جانبي ؟

-تقول: جانبي ! انني أدرك اآلن انني ما انطويت في صدفتي، واحدودب ظهري، اال حين قطعت الصلة بماضي.

وما هو هذا الماضي؟ ان الماضي ليس زمنا. ان الماضي هو أنت وفالن وفالن وجميع االصدقاء. سوية رسمنا لوحة هذا

الماضي. وكل منا لونها بلونه الخاص حتى جاءت على صورتها الشابة المشتعلة التي عانقت الدنيا وما فيها. ولن

أعيد الصلة بهذا الماضي اال اذا تكاملت اجزاء اللوحة بجميع ألوانها. وصاحبنا هذا، بحبه الجميل، أراه االبتسامة في ثغر

هذه اللوحة. أي ماض يبقى بدونه. وماذا يبقى من لوحة الجيوكندة اذا مسحت ابتسامتها؟ ان قصته، التي سيكون اللقاء، عودة الحبيب الى حبيبته، خاتمتها المفرحة، والتي

سيكون الفراق الزمن خاتمتها المحزنة، أراها أصدق تعبير عن ربيعية ماضينا، الذي أريده أن يعود كما يعود الربيع بعد

كل شتاء. 

-اراك تعود الى قصة المدينتين، الفرعين، المحب وحبييته، النهاية المفرحة والنهاية المحزنة. أما الحياة فهي ليست

خطوطا متمايزة بل هي خطوط متشابكة. فلماذا ال يكون خيالك، الذي أيقضه حنين ربيعي الى جبال شامخة، قد توهم

هذه الحكاية؟ -لقد استيقظ خيالي حقا، وال أريده أن ينام مرة أخرى. لذلك

ابحث عن صاحبي هذا. فهل أفهم انك ال تتذكره؟-دعني أحاول. فاذا تذكرته ابلغتك االمر.

وتركني االستاذ "م" وهو مهموم كما لم أره مهموما في حياتي. وبقيت مكاني مهموما كما لم أكن مهموما في

حياتي. ولعدة دقائق بعد خروجه أمسكت نفسي قسرا عناللحاق به حتى أهز ذاكرته من موتها.

ولكن، هل استطيع احياء االموات؟

كيف ال أتذكر قصة الحب الجميلة التي يتلهف االستاذ "م" على تذكر صاحبها. وكم مرة سألت نفسي: كيف يستطيع

انسان ان يقتل في قلبه مثل هذا الحب؟ 

وبعد حرب حزيران، حين زرت السيدة الكريمة، الوفية، في القدس او في بيت لحم، هناك، على حد تعبير االستاذ "م”،

وأرتني غصن اللوز الجاف،الذي ال تزال تحتفظ به، ويكاد يشتعل باالحمر وباالبيض حين تستعيد قصته، واخبرتني انه

زارها مع عدد من زمالئه المعلمين، وكان طول الوقت كثير الكالم وشديد الحبور، وانها أدخلتهم الى مكتبتها ليروا

مجموعة الكتب والتحف التي جمعتها، وانه لحظ غصن اللوز الجاف، فسألها ما هو، فأخبرته ان اللوز ينور في شباط،

فانتقل يحدثها عن المشمش وعن الجمعة المشمشية،دهشت لهذا االمر أشد دهشة.

  ولكنني اآلن، وبعد أن زارني االستاذ "م"، وحدثني بكل ما

حدثني به، فهمت كل شيء. فاني واثق بأن االستاذ "م" صادق في نسيانه وصادق في

لهفتة على ان يتذكر. فبارادة باطنية غربية نسي حقا انه هو نفسه صاحب قصة الحب الجميلة، واالبتسامة التي نورت

صبانا. فهل من واجبي انا ان أذكره وأريحه كما طلب مني؟ ولماذا

يجب أن أريحه؟ وهل سأريحه حقا؟ اذا كانت قامته قد طالت، كما قال لي، فستطول يده هذه القصة، فيقرأ. فهل حينئذ سيتذكر، فيعيد الروابط بماضيه،

فينتشل نفسه من حاضرها؟ وأخيرا نور اللوز، فالتقيا. وكان الربيع يضحك. وكان القدر

يقهقه. 

المسرحية

 بيت الجنون

توفيق فياض)مسرحية في فصلين(

توضيح : ستبدو المسرحية، التي يشغلها من أولها الى آخرها بطل

واحد هو سامي، استاذ التاريخ و االدب السابق، ستبدو الول وهلة و كأن ال عالقة لها بتيار المقاومة العربي في فلسطين

المحتلة، اال أن ذلك سيبدو خاطئا عند المتمعن بحقيقة الرموز التي صار من المعروف انها أفضل شيء يتجه له

العمل الفني حين يمارس تحت ظل القمع واالحتالل. 

ومع ذلك فهناك ضرورة لتسجيل بعض المالحظات التييمكن لها أن تساعد في فهم المسرحية على صورة أفضل: أوال: هنالك الكثير من المدرسين العرب في االرض المحتلة

قد تعرضوا للسجن و النفي و االبعاد و التسريح بسبب طبيعة الدروس التي كانوا يلقوتها على تالمذتهم، و قد يكون مؤلف المسرحية نفسه واحدا من هؤالء المدرسين، و هذه

الحقيقة ستوضح بعض المواقف التي يقفها البطل. 

ثانيا: تعرض المثقفون العرب في االرض المحتلة الى محاوالت إغراء قام بها المثقفون االسرائيليون لالشتراك

معهم في وضع "قيم مشتركة".. و ثبت فيما بعد أن ذلك لم يكن اال مناورة سياسية المتصاص النقمة العربية انكشفت للمثقفين العرب و اصابتهم بخبة أمل مرة.. هذه الحقيقة تشكل واحدة من الخلفيات التي يقف "سامي" أمامها، و

خصوصا لدى حديثه عن "لبنى". ثالثا: المفترض ان "سامي" يقف على خشبة مسرح

منصوبة في فلسطين المحتلة ذاتها، و بالتالي فان الجمهور

الذي يتجه سامي بالكالم اليه في بعض مقاطع المسحريةهو بطل آخر في االحداث، ليس اال المستوطنين اليهود.

  رابعا: تشكل المسرحية -الى جانب ذلك كله- حلقة في

الحوار الثقافي والسياسي القائم بين المثقفين العرب في االرض المحتلة ذاتها. و سنالحظ هنا مثال ان حديث "سامي" عن "ذلك الشاعر" الذي اغتال القمر، في مطلع المسرحية،

موجه الى قصيدة لمحمود درويش، الشاعر البارز فياالرض المحتلة، اسمها "قمر الشتاء" التي يقول فيها:

" سألم جثتك الشهيدةواذيبها بالملح والكبريت

 ثم اعبها: كالشايكالخمر الرديئة، كالقصيدة

في سوق شعر خائبوأقول للشعراء :

يا شعراء امتنا المجيدة !انا قاتل القمر

الذي كنتم عبيده ! "غ.ك.

 الفصل االول

 حيفا - ليال

في أحد االحياء المحاذية للبحر. ال يظهر في المسرحية سوى شخص واحد هو سامي الذي كان يعمل مدرسا

للتاريخ واالدب. يرفع الستار عن غرفة مظلمة تماما. يستمر الظالم، بينما

يسمع في الخارج من خلف المسرح، صفير ريح قويةممزوج بشخير نائم.

ينقطع الشخير بينما تستمر الريح في هبوبها. صوت هذيان متقطع يأخذ في االرتفاع شيئا فشيئا، و في نفس الوقت الذي يسلط فيه الضوء األحمر على يسار المسرح، حيث

يسير بعدها ببطء ناحية اليمين. في يسار المسرح يظهر باب مغلق فيه مفتاح، ثم نافذة

ذات ستار قديم في الصدر. مكتبة صغيرة تحوي بعضالكتب. ساعة حائط صغيرة تشير الى العاشرة ليال.

  يستقر الضوء على مكتب في أقصى اليمين تحت ساعة

الحائط الى جانب المكتبة.. ترى عليه صورة امرأة، بعض الكتب، و اوراق مبعثرة دونما نظام معين، تحتوي على بعض الكمبياالت المستحقة الدفع.. زجاجة خمر تكاد تكون فارغة و كأس. علبة سجائر من النوع الرديء فيها بعض اللفافات. مصباح كهربائي في طرفه االيسر، مما يدل على انها الحد

المثقفين. في أقصى اليمين من المسرح الى جانبالمكتب، باب داخلي مغلق..

  يسلط الضوء نهائيا على وجه رجل في مقتبل العمر، لحيته طويلة، وال نظام في شعره البتة، يجلس على كرسي قديم

خلف المكتب ويرتدي فوق مالبسه العادية، معطفا شتويا طويال رثا. يرى مستغرقا في نومه، ملقيا رأسه على ذراعيه

فوق مكتبه.. بينما بقي الكتاب مفتوحا أمامه. تتعدد األنوار على صفحة وجهه بشكل جانبي.. أحمر..

أصفر.. أزرق.. أخضر. ثم تتكرر بترتيب منعكس الى أنتتوقف عند النور األحمر.

يتعذب النائم في الضوء، و كأنه يعاني كابوسا، ثم يسلط الضوء االصفر. و في نفس اللحظة يصرخ بأعلى صوته

بفزع، قابضا على عنقه بكلتا يديه مستيقظا. 

ينظر في أرجاء الغرفة مذعورا.. بينما تأخذ يداه في االرتخاء من حول عنقه. يشعل مصباحه ذا النور العادي، و هو ال يزال

يتفحص بنظره كل شيء من حوله متحاشيا النظر الى الجمهور. يطفيء المصباح بينما يظل الضوء األصفر يالزمه طيلة الوقت أينما و كيفما تحرك، مستقال عن االضواء التي

يتطلبها السيناريو. 

سامي: )مشعال لفافة( الكابوس.. هذا الكابوس الرهيب! )متحسسا عنقه( مرة

أخرى! و كأن اشباح الجحيم، انتقلت جميعها الى هنا.. لتشاركني هذا القبر المتعفن! )محركا عنقه( كادت أصابعه

المتوحشة تخترق بلعومي. )يشعل النور ثانية. ينظر حوله بخوف. يتوقف على الكتاب

المفتوح امامه يقرأ بحزم(انهض ، انهض يا اوزيريس !

انا ولدك حوريس ..جئت اعيد اليك الحياة ،

جئت اجمع عظامك .واصل اعضاءك ...

انا حوريس الذي تكون اباه !حوريس يعطيك عيونا لترى ،واذانا لتسمع ، واقداما لتسير

وسو اعد لتعمل ....ها هي ذي اعضاؤك صحيحة ،

وجسدك ينمو ،ودماؤك تدب في عروقك !

ان لك دائما قلبك الحقيقي ،قلبك الماضي !

فانهض ، انهض يا اوزيريس ! !) يغلق الكتاب وهو ما زال يردد و بحزم أكثر (

انهض يا اوزيريس انهض !) ينظر الى الرسم متأمال، ثم بيأس(

لبنى! أجل لبنى! بل التنين!! من يتصور ان مثل هذه الحمامة الوديعة، تتحول الى تنين رهيب، يغرس مخالبه

المتوحشة في عنقي؟ كدت أجن!! لكم تعذبني أيها المالك التنين!؟ )بضيق( هيرا!

هذه اللعنة لم تمت! )يطفىء المصباح ناهضا بتثاقل. يدعك لفافته في المنفضة ثم يتجه نحو النافذة. بينما يسمع هبوب الريح بوضوح. يزيح

الستار ناظرا الى الخارج.. بأسف( 

ايه... ال قمر في السماء! )يسدل الستار عامدا. يرفع يده الى اعلى ثم ينزلها بعصبية كمن ينتزع شيئا( قد انتزعه ذلك

الشاعر اللعين من االعالي، و اغتصبه في ليلة مجنونة من ليالي الشتاء، على الشاطىء المقفر! )معبرا بحركة من

يده( ثم.. ثم ذوبه بالملح و الكبريت! )بسخرية( هه.. القمر! اجل. القمر بالملح و الكبريت!! )باستغراب( بل و شربه! كما لو كان يشرب خمرة ردئية في ليلة افالس! )بضيق

معبرا بيديه( لماذا لم يخنقه ذلك المجنون خنقا؟ )ينظر الى يديه المتشابكتين بفزع( اوه.. كال.. كال.. )يرخي يديه و هو ال يزال يتأملها( كنت أفقد عقلي، لو رأيته يفعل ذلك! مجرد ان

اتصوره يفعل!! )يتجه ناحية مكبه، و هو ال يزال يتأملها. يشعل النور ثم يقلبهما متفحصا( خيل الي انهما ملطختان

بالدماء! اللعنة... 

)ينظر الى الرسم بفزع. يطفىء النور ثانية. يسكب كأسا من الخمر، ثم يغمس اصبعه في الكأس محركا، كمن يذوب

شيئا. يعب ما في الكأس جرعة واحدة.. يتجشأ بامتعاض( 

البد.. البد و ان ذلك المجنون.. ذوب القمر في هذه الكأس! )باستغراب( من يدري؟ ربما كان أحد الضالعين في االغتيال

البشري! ربما كانت هذه العملية، احدى تجاربه الخبيثة، الختراع ما هو كاف البادة البشرية.. بطريقة أسهل مما هو

متبع اآلن! مما هو متعارف عليه بين ساسة الدول! أصحاب الحق الشرعيين، في تقرير ما اذا كانت، جديرة هذه

البشرية باستمرارها او غير جديرة!! و لكن.. و لكن أي شأن لهذا ال... )بأسف( يا اله السماء! حتى الشعراء اصبحوا...

)باستغراب مفكرا( و لكن.. ولكن.. )بجدية( 

قمر.. زائد ملح.. زائد كبريت.. زائد خمرة ردئية. زائد جوف مجنون ملتهب.. )مفكرا( يساوي.. يساوي... )يتجشأ

بامتعاض( يساوي فقاعات سامة.. )معبرا بحركة من يده( تتصاعد.. و تتصاعد. الى أن تمأل السماء غيوما.. وغ..

)ينصت الى صوت الريح، و هو ال يزال يعبر بيده ثم يتابع بعصبية( و ريحا غريبة مقيتة.. و أشباحا رهيبة... )يتقدم من

النافذة. يزيح الستار بحذر و ينظر الى الخارج(. 

البد و ان هذا المجنون.. العالم في علم التخلص من العالم و نفسه! ال. و انه من نسل الجن! او.. او انه جن بنفسه!؟

حتى النجوم انتزعها؟ يا للعنة.. لم يترك لي في السماء شيئا آنس اليه.. )عائدا الى اول المسرح( ولكن لماذا كان..

)بضيق( ال استطيع ادراك ذلك! لماذا كان عليه ان يختار هذه الكأس بالذات! كأسي أنا ! ! لتكون له ولتجاربه الخبيثة

مصنعا مشؤوما للموت!! منتهى الوقاحة.. 

)باستغراب( كأسي أنا! وفي بيتي أنا! ! منتهى... 

)بجدية(: قمر.. زائد كبريت زائد... الكون الخارجي زائد.. مئة مليون مجتون زائد.. السالم العالمي.. زائد.. )يصمت

مفكرا ثم يتابع( زائد.. السالم العالمي.. يساوي.. )جيئة وذهابا( يساوي.. يساوي.. ناقص االنسانية.. ناقص الكرة

االرضية! )بحماس( ويساوي. بالطبع يساوي التكوين.. ناقص سبعة ايام! )بحماس أكثر( وبالطبع انها النتيجة الصحيصة

الوحيدة! )بانتصار جالسا الى مكتبه(: هه! كنت أظن انني ال أستطيع حل معادلة انسانية.. )مستدركا( معادلة كيمياوية واحدة! )بجدية( ال شك ان هؤالء العلماء يعرفون النتيجة سلفا. ومع ذلك.. ال ينفكون على تجاربهم لها!! )بضيق( وعلى حساب أشيائي الخاصة. على حسابي أنا! )ينصت

على صوت الريح، ثم متابعة( الريح الغربية.. )ناظرا الى احد الكتب على مكتبه( ايه شيللي! )بأسف( لقد جن هو اآلخر.. اغتالته الريح الغربية.. ورمت به السماك البحر طامعا! من كان يتصور ان أجمل الرياح تصبح قتالة مجرمة! وان ذلك

الوجه الجميل-يا للتعاسة.. يشوهه سرطان البحر! 

وان تلك العبقرية -يا للضياع- تصبح وقودا للنار!! ومن أجل ماذا؟ )بسخرية( العدل السياسي.. اجل. العدالة!! هه؟!

)باحتقار( "انت الوجود للخريف النابض أيتها الريح الغربية العاتية.. ذلك الذي من وجودك الخفي اوراقه ماتت

وتالحقت، كما االشباح تهرب من ساحر"! )يسكب ما تبقى في الزجاجة من خمر ثم يشرب( كلهم مجانين اولئك

الشعراء! خمر الجحيم ما تسكبه ارواحهم البائسة، الى ان يأتي على آخر رمق في وجودها! )ينظر الى الزجاجة بيأس. ثم يضعها مرددا بخوف( وتالحقت كما االشباح! االشباح!!..

)يتحسس عنقه يا للعنة.. كاد يزهق روحي، ذلك الشبح المتوحش! شبح لبنى وال شك! )بغضب( كال.. كال.. بل شبح المالك الوقح!... )الريح بوضوح. يهب واقفا ناحية الباب. ثم

يجلس مترددا وتلعثم( عند منتصف الليل ذات مرة.. بينما في عالم االموات زورقي، كان لموجه يفرش الشراع..

)معبرا بيديه( يدا شيتا مخيفة.. من خلف الظالم الدامس،

اللتان امتدتا.. ثم.. ثم بكل ما فيهما من جن، اطبقتا حول عنقي! )بفزع( كدت افقد صوابي.. كانت تنتصب حتى

السقف! كانت تتحول وهي تضغط على عنقي، الى تنين رهيب! تتوقد عيناه وتلتهبان. شعرها القبيح، الى حراشف

مدببة يتحول. تنهش كل موضع في جسدي.. وفكاه المتوحشتان، كانتا تتسعان.. وتتسعان حول جمجمتي..

)مشيرا الى رأسه( هذه... الهاوية بعينها! فكه الملتهبة.. يا للرهبة! كنت أصرخ وأنا أتردى في أعماق الهاوية، كنت أصرخ بأعلى صوتي! كنت أهوي.. وأهوي! لم أصل الى

قرار!! )باستغراب( ولكن لماذا شيتا؟ لماذا تنين!؟ )ناظرا الى يديه( اوه.. كال.. كال انهما وال شك يدان انسانيتان! ال بد وانني ال أزال انسانا.. كثيرون هم الذين يمسخون في أيامنا

الى قرود! الى ذلك النوع من الزواحف المخيفة!! قد ... 

)بجزم( ال... ال يمكن ان امسخ الى واحد منها.. يجب ان ابقى آدميا.. يجب! )ينظر الى يديه ثانية.. يبتسم بارتياح(

كانت تقول عنهما لبنى، انهما جيملتان كيدي الطفل!ولكن...

  )يصمت فجأة. ينصت الى صوت الريح ناحية الباب يفزع

كمن يسمع طرقا عليه(ولكن هذه اليد المتوحشة التيتطرق بابي، ال يمكن أن تكون يدا آدمية!

  )صوت الريح ثانية. يهب واقفا عند اول المسرح، مشيرا

بيده جانبا ناحية الباب بغضب(: ماذا؟ ... ألم يعد ثمة قانون يردع اولئك االوغاد؟ ماذا يظنون؟ انني متاع لهم! يقتحمون

بيتي كلما شاؤوا !! )يتقدم قليال و بسرعة ناحية الباب( كال... لن أرضخ لمشيئتكم أيها االوغاد... ) يحذر باصابعه

متراجعا( أيها البرابرة المجرمون! )ينصت الى صوت الريح. ثم يغضب متقدما ناحية الباب( البد و انه ذلك الدب.. صاحب

الحان! كال... لن استجيب لطرقاتك.. حتى و لو هشمت الباب بقبتك المخمورة. ) الصوت الريح. مندقعا بسرعة ناحية الباب( ما الذي تريده ايها االهوج؟ ان اموت ضمأ

للخمر! ولماذا؟ ألنني ال املك ثمنها!؟ )بشراسة( قلت لك كال... لن افتح.. حطم الباب ان استطعت! )معبرا بيديه(

انني سأكتم انفاسك بيدي هاتين.. ) ينظر الى يديه المتشابكين بفزع( اوه... لست مدينا لك بشيء... لست مدينا.. انك من دمي صنعت خمرك! ) صوت ريح خفيفة

ينظر باستغراب، ثم بارتياح( الى الجحيم.. اجل.. ربما ضغط شحمك المتراكم فوق قلبك علي، فعطل خفقاته. ربما

استرحت منك! )يجلس خلف مكتبه مشعال لفافة. ينفث دخانها بعصبية ناحية الرسم، ثم يراقب الدخان حتى يتبدد

من حوله. ينظر اليه بحنان ثم يأخده اليه( لبنى... اين انت يا لبنى؟ تركتتي مع اآلالم وحدي. لماذا؟ قلت انك لن تتخلي

عني الى األبد! كيف استطعت... 

)صوت الريح ثانية. يلتفت الى النافذه بذعر( الريح المجنونه مرة اخرى. ال تكف عن هذا العويل -بحق الشيطان-!؟

تغتالني شيئا فشيئا!! )مصغيا( ما هذا؟.. انه البوم ينعق في الخارج! كال.. ليس البوم ذلك! كال.. ليس البوم ذلك؟ انها لبنى و الشك! أنفاس لبنى المخلوقة.. حشرجاتها!! )ينقر باصبعه على مكتبه خفقات قلبها!! )يضع يده على صدره(

بل خفقات قلبي.. اليمكن! مستحيل ان تكون خفقات قلبها!! )صوت الريح. يقفز ناحية الباب بذعر( وقع أقدام!

اقدام متوحشة!! تدب.. و تدب.. هؤالء الوحوش! البد وانهم.. هذه االحذية الثقلية!

  يا الهي... انهم يقتربون! يقتربون! )بجنون متراجعا( الى الجحيم ايها المتسولون.. ستفتح دونكم ابوابها.. أما بابي

فال.. )مستلقيا على مكتبه باعياء( حمدا لله.. انهم

ينصرفون.. ينصرفون بعيدا! ليأخذهم الشيطان... )بشرود مصغيا الى صوت الريح الهادئة( "برفق فوق موج الغرب،

روح الله مري" )بصمت ثم يردد ثانية( "احالم من البهجة و الفزع امواجك، رهيبة تجعلك و حبيبة" )بارتياح معبرا بيده(

رقيقة مع خاطر... )صوت ريح قوية. بصمت فجأة. ثم بفزع ناحية الباب( يا إله السماء! انه آت!! حذاؤه الثقيل! خطواته

المتوعدة.. )يهب واقفا عند اول المسرح( اجل خطواته.. اعرفها جيدا! ذلك المالك االحدب.. سيقذف بي الى

الشارع.. ذلك المستبد )بمرارة( القانون الى جانبه.. بل الدولة و جميع سلطاتها ملك له.. رهن اشارته! حتى الحرب تخوضها من أجله لو شاء! )بغضب( اما انا.. عضو غير صالح

في الدولة!! و لماذا! النني ال أملك كرشا مثله! )محذرا باصبعه( لم يبق لدي شيء أيها الثور الهائج. لم يبق شيء..

لقد سلبتم كل اشيائي بعتموها في المزاد العلني كلها! كلها! ولكنكم ما زلتم تالحقونني لم يبقى غير ما ابقيتم لي من

هذه الكتب المتعفنة! خذها اذا شئت.. لم اعد بحاجة اليها.. )بسرعة نحو مكتبه( و هذه الكمبياالت المقيتة.. )يقذف بها ناحية الباب( ها.. ماذا تظن؟ انك ستستعبدني؟! ان تجعل

مني سلعة حالال لك، والعوانك! )محذرا باصبعه( كال.. و الف كال! انك لن تستطيع ذلك.. أنت.. و جهاز الدولة جميعه! هذا الجهاز المتعفن، الذي تديره وفقا الهوائك! سأقذف بكم الى الجحيم جميعا. جميعا.. هل تسمع!؟ ال.. لن أكون عبدا لكم.. و سأفعل ذلك وحدي.. أجل. انني ما زلت قادرا على ذلك.. وحدي!! )باحتقار( اال يكفي انكم أخرجتموني من عملي؟ و

بعد ان جردتموني من كل شيء، لكي أموت جوعا، و ليسهل قهري عليكم!؟ و لماذا؟ النني اشكل عليكم و على مصالحكم المقيتة خطرا! النني ازيف التاريخ كما تدعون!

النني اشوه االدب!! اما انتم فال!؟ 

)بغضب( و ماذا اردتم؟ أن أعلم ابناءكم كيف يكونون ذئابا بشرية مثلكم؟ كيف يمتصون الدماء!؟ )ينصب باستغراب.

بسرعة نحو النافذة. يزيح الستار ثم ينظر خارجا( غريب! انه ينصرف! يغيب في آخر الزقاق!! )بارتياح عائدا الى مكتبه(حمدا لله... )يشعل النور، ثم يطفئه شاهقا بفزع( انه يعود

  يا للعنة... هذا الثور الهائج! )بسرعة نحو النافذة ثانية. يطل

بحذر( يا للوقاحة. انه يتوقف! هذا الثور.. انه يتفحص نافذتي بنظراته الخبيثة! عيناه المتوقدتان في النور.. )يرخي الستار

متراجعا( باستطاعة هاتين العينين.. اختراق اسمك الجدران.. و احلك النوافذ ظلمة! هاتيان العينان... )بغضب متوقفا( ال يوجد غيري هنا! انني.. انني ال أعرف اين هي!!

انني لم ار وجهها منذ ذلك اليوم الذي.. )بضعف( قالت انها لن تدعني اراها ما حييت! )يقترب من النافذة ثانية. يزرح

الستار ناظرا( يا الهي!.. انه ينصرف! يغيب في الزقاق مرة اخرى!! )عائدا الى اول المسرح( انهم يحطمون اعصابي..

هذه الحرب المقيتة معهم.. تكاد تفقدني كل رغبة في المقاومة.. انها تشل اعصابي.. تشل نفسي شيئا فشيئا.

)بحزم( و لكنني لن استسلم لن استسلم ابدا!! 

)يلتفت ناحية الجمهور باستغراب. يتفحص الحاضرين بارتياب و كأنه يراهم الول مرة! يقترب منهم قليال و هو يزال يتفحصهم( يا اله السماء! انتم... ماذا تفعلون هنا؟

كيف دخلتم داري بحق الشيطان!؟ كيف استطعتم ذلك!؟ 

)بغضب( ماذا! الم يعد ثمة قانون في العالم!؟ )باستغراب( منتهى الوقاحة! انني ال استطيع ان اتصور! كيف يسمح

شخص لنفسه دخول بيت غير بيته. و دون اذن صاحبه!؟ )بغضب( حتى حديقة الحيوان... بل و المقابر اصبح لدخولها وقت معين! بل و ثمة ابواب لها تقفل على موتاها!! انني..

انني ال افقه كيف تدخلون بيتي. كما لو كننتم تدخلون حانا.. او.. او مرحاضا عاما!؟ )بضعف( هل مدين لكم انا بشيء؟ )بغضب( كال. اننني ال اسمح لكم ان تتسللوا الى بيتي. الى

حياتي الخاصة! انها ملك لي.. ولي وحدي.. )بثورة( لماذا تنظرون الي هكذا؟ سترمونني بالجنون.. ها!! أليس من

حقي الثورة لحريتي ستدعون بأنني اعتدي على حريتكم! و لكن الى الجحيم.. انتم.. و حريتمكم.. تلك التي تبنونها على حطام حرية اآلخرين.. حطام حريتي.. حطامي انا!! )برزانة(

انكم تستطيعون ممارسة حقكم في الحرية.. دون قتل حريتي لو اردتم! ان احدا لن يمنعكم من ذلك!! فلماذا على حساب حريتي اذن؟ و لماذا ينبغي علي انا، ان ادفع الثمن

من حريتي؟ هل حاولت ان اسلبكم مرة حريتكم؟.. )بحزم( كال! انني لم أفعل.. بل و لم افكر في ذلك ابدا. و اذا كنتم

تدعون بأنني فعلت.. فانما لتبرروا جريمتكم.. تلك التي ترتكبونها في حقي.. و ليس اال.. )بارتياب( ال استطيع فهم

ذلك! لماذا تنظرون الي هكذا؟ عليكم اللعنة.. ما هذه المهزلة التي تمثلونها! )مشيرا الى احد الحاضرين( انت.. لماذا تنظر الي هكذا؟ كيف دخلت بيتي!؟ لماذا!!؟ و بأي

حق فعلت!؟ 

)بغضب( لماذا لم تذهب الى أي مكان آخر؟ الى الجحيم مثال.. لماذا بيتي انا بالذات!؟ )باستغراب( يا الهي!.. هل

نظرت الى عينيك؟ انهما تتوقدان.. انهما.. انهما.. البد و انها ذئبة تلك التي ارضعتك! من يدري أي شيطان.. ذلك الذي

يسكن هذه الرأس اآلدمية!؟ )الى آخر( انظر اليه .. االتعتقد انت اآلخر انه..انه كمن لو كان... )بضيق( لماذا تحدق انت اآلخر بي هكذا؟ يا للرهبة.. انك ال تختلف عنه! )ينقل نظره

بين االثنين( انني لم اعد افرق بينكما! )يلف الجميع بنظرات حادة( يا للعنة.. ما الذي حدث بحق الشيطان!؟ لماذا

تتخذون جميعكم نفس الهيئة عندما انظر اليكم! هل تآمرتم

علي جميعا!؟ )يتفحصهم بارتياب( مستحيل هل أشبهكم انا بشيء؟ )بحزم( كال.. كال.. يستحيل ذلك! انه لمريع ان.. ان..

)متراجعا بيأس( لبنى... لو إنك اآلن هنا يا لبنى.. كنت تقذفين بهؤالء الذئاب الى الشارع.. الى الشارع... و لكنك..

و لكنك بعيدة عني اآلن.. لقد رحلت بعيدا..هجرتني.. البد انك فعلت ذلك بايعاز منهم! فقد سيطروا على رأسك

الصغير.. استبعدوا غباءك!! )بأسف( ايه لبنى... )بصوت حالم( "اجمل العينين عيناها. و احلى السوسنات صدرها... و

الدمع بارع فهو في الصدر خفوق، و هو في العين صالة. كوننا ما زال رائعا.." )بيأس( هكذا كنت أغني لها.. هكذا كنت اغني لها.. للبنى حبيبتي! ولكنها اغلقت عن غنائي

اذنيها و تركتني هكذا وحدي فريسة للوحدة.. يعذبني الليل،و يأكل روحي النهار!

  )بمرارة( ال.. لم يعد كوننا رائعا. بل جحيما ال يطاق اضحى..

)بضيق( الريح الغربية.. االشباح.. طرقات احذية الوحوش في قلب الليل.. و حرية الذئاب اآلدمية!! )بحزن( و شبحها..

طيفها.. ذلك الذي تطير روحي خلفه كلم مر بي.. كما الى النار تطير الفراشة! )كمن يرى طيفا( "يا حبيبتي.. الى اين تخطرين؟ فان عاشقك المخلص آت. حبييك الذي يغني لك

اجمل االلحان..." )ببكاء تاحية الباب كمن يفقدها( لبنى.. لبنى.. )بيأس عائدا الى مكتبه( طيفها مرة أخرى! كم

يعذبني أن أفقدها! )يجلس الى مكتبه بعياء. ينصت الى صوت الريح الهادئة ثم يدندن بصوت حالم )انت معي.. فلتعصف الرياح.. لتقصف الرعود.. )بجنان( جميال كان

صوتها.. لبنى.. )بأسف( هكذا كانت تغني لي، كلمات أكون لديها على شاطىء البحر.. كانت تحبني.. كنت احبها حداء

النفس التائهة كان صوتها! )ينصت الى صوت الريح ثم يردد ثانية( انت معي.. فلتعصف الرياح.. و لتهطل الثلوج..

)بشرود( مع انسام الصباح.. و دفق عبير الشمس عبر

نافتي.. كان يدلف الي ذلك الهديل الرخيم من خلف شباكها.. و عند المساء.. كنت الم ببيتها ألسمعها..كانت دائما تغني.. فتعلق على شباكها قلبي و ذات صباح طروب رأيتها..

بحيرة االخضرار رأيت! تلك المترامية على هدب االفق البعيد في عينيها. و ذلك الفجر الملوح في وجهها الصغير! و تمطي الحرير، على ياسمين الشرفات. بله االنوثة المحوم

جذالن، على تفتح القرنفل فوق صدرها!! )بأسف( ايه يا بحيرة االخضرار.. يا حديقة الوجد المزهرة.. أي اعصار

بدوحك مر؟ أي تنين بنبعك يا غدائر العنبر سكن! أي لبناي.. لبناي الضائعة.. )ببكاء( انت معي.. اجل. فلتعصف الرياح..

فتعصف.. فلتهطل الثلوج. فلتهطل... انت معي.. ضمني اليك يا حبيبي.. اكثر.. اكثر.. موقد دائم الدفء قلبك لي!..

لي!... انت معي.. )بيأس( اين ذهبت كل هذه الهمسات في عصف الرياح؟ و تلك الغمغمات على تقصف الشاطىء عند قدمينا! كيف نسيتها يا لبنى؟ كيف!؟ و كأنك لم تتفوهي قط

بها!! )يأخذ الرسم اليه متأمال بشرود( لبنى كما عرفتها.. )يضع الرسم متذكرا( احدى ليالي الشتاء القاسية كان ذلك.. اول اشراقة في قدري كانت.. اول شرارة في موقد قلبي!

)بحنان و محبة ناهضا( كبسمة الدفء اطلت من خلف متاهة عمري. رقيقة عذبة.. فخشعت في محراب تلك االلهة

الصغيرة، في مسالك الغاب اصلي.. )راكعا معبرا بيديه( "اجل يا حبيب القلب.. ان هو اال حبك هذا النور الذهبي

الراقص على الغصون.. و هذه الغيوم الكسلى السابحة في الفضاء.. و هذا النسيم الراكض منعشا مني الجبين.."

)ينهض متثاقال ناحية الجمهور )هكذا رحت أصلي لها بعد ان عرفتها.. لعشتروت. عشتروت الصغيرة الساذجة! عشتروت

الحمامة.. عشتروت االم.. و عندما كانت بشهور حملها االولى.. )مبتسما بسعادة( جميل ذلك.. لبنى.. معبرا( لبنى حامل!.. )ضاحكا( كدت اجن.. تلك اآللهة الصغيرة.. حامل, اله صغير يلجأ برفق الي.. الي.. لقد توردت و جنتاها حين..

)بخجل( حين رحت اتحسس ذلك التكور البديع.. زجرتني عندها خجلي..كنت كطفل اتوق لرؤية تلك الدمية..دميتي

التي تخبئها لبنى.. لقد ضربتي على يدي تردها.. )بحماس( فضممتها الي.. رحت الثم و بكل حبي كل موضع في

جسمها.. خصالت شعرها.. جبينها.. اهدابها.. تورد و جنتيها.. شفيتها.. و ذلك التكور البديع.. تلك الدمية المخبأة لي

باحتراص! كانت تبعدني عنها خجلة.. )راكعا( الى ان ركعت على قدميها الحافيتين تينك القدمين الجميلتين.. قدمي

عشتروت الصغيرة.. عشتروت االم.. المبللتين بقطرات الفرحة من دموع سعادتي. )ناهضا بحماس( كالظل بقيت

اجلس عند قدميها.. تلك الشهور من حملها.. كنت ال افارقها.. والدة االله.. كنت اقوم على راحتها بنفسي.. ارقب ذلك التكور يعمر بالحياة.. و بفرحة طفلة.. يوما بعد يوم! و عندما كانت تغفو الى جانبي.. كنت ال انام! كنت ارقب ذلك

التكور يعلو بهدوء و يهبط.. )ضاحكا( كنت اتخيله يكبر.. و يكبر.. و من ثم.. كما تفتح الزنبقة اجفانها، اتصوره يتفتح! و

يطل من خالله ذلك الوجه الصغير.. ذاك المالك الوديع.. فأبسط راحتي الحتضانه.. كان يفر.. ثم.. ثم يختبيء! و

تغمض الزنبقة اجفانها.. فأغمض على روعة اغفاءتها جفني! )بسعادة( كنت سعيدا.. مألت البيت بالدمى الصغيرة! )بحماس( كل انواع الدمى! نزعت عن فساتين الغيوم زركشها، و طرزت بوشيها فساتين دماه! الى الورود

الراقصة مددت يدي.. و من ثناياها حفنت مرح الوانها.. وزركشت بها مهده الصغير! أجل.. حتى المهد احضرته له!

يتحتم علينا ذلك.. ان نمنح السعادة اطفالنا.. ان نمنحهم الحياة سليمة لكي يستمروا يها ان نحملهم مشعلها كما

ينبغي ان يحملوه! 

)بيأس( و لكنه.. و لكنه لم.. )يلتف الى ساعة الحائط بذهول( يا إلهي! كان علي ان أذهب!.. لقد تأخرت! )يلتفت

ناحية النافذة منصتا ثم بارتياح( لقد هدأت الريح.. )يتقدم منها و يزيح الستار ناظرا الى الخارج( الزقاق مقفر.. و الموت كفن نوافذه! )يتجه ناحية الباب مصلحا من شأن

معطفة بارتباك( البد و انها تنتظر. كانت تنتظرني في مثل هذه الساعة دائما.. يتحتم علي ان أذهب! )يفتح الباب، ثم يقف به ملتفتا الى ساعة الحائط( هذه الساعة اللعينة كم

تخونني! كان علي ان احطمها. يجب ان احطمها! لقد فاتني موعدي مع لبنى.. تأخرت عن زيارة طفلي! ملعون ذلك الذي يسلم للنسيان ابناءه فال ذهب اآلن.. )يخرج مغلقا

خلفه الباب(. 

الفصل الثاني 

يرفع الستار عن نفس الغرفة، ونفس االشياء في الفصل االول. يستمر الظالم فترة وجيزة، بينما يسمع في الخارج

صوت ريح قوية. 

يسلط الضوء االحمر على ساعة الحائط. ثم على الكرسي الخالي امام المكتب. يسير الضوء ببطء من اليمين الى ان

يستقر على باب الغرفة في يسار المسرح، بينما يسمع سعال مكتوم خارج الباب ممزوجا بخشخشة المفتا وكأن

فتحه يستعصي عليه. 

يشق الباب محدثا صريرا. ثم يدخل سامي بشكل جانبي، ملتصقا بدفته مضطربا، وهو ال يزال يسعل، يرافقه الضوء

االحمر حتى النهاية. 

)بغضب وهو يحاول اغالق الباب ساعال( هذه الريح المجنونة.. البد وان اله الريح قد جن! عليه اللعنة.. هذا

الشقي.. اللعنة على كل شيء! )يوصد الباب من الداخل(

وعلى هذا الباب اللعين! )متأكد من ايصاده( لم يدخل الي منه غير الشقاء! )يبتعد قليال ثم يعود ليتأكد من ايصاده

ثانية( اال تستطيع البشرية الحياة دون ابواب!؟ )ساعال( اما حان لهؤالء الجبناء الكف.. عن افتراس بعضهم البعض!؟ )يتجه نحو النافذة ممسدا شعره المنفوش( أي لعنة تلك

التي راحت تغتال سالم الليل، وتهتك صمته بحوافر جيادها الجنية.. وصهيلها الرهيب! )يزيح الستار ناظرا الى الخارج(

ليشمل الموت هذه المدينة الى االبد.. )يتأكد من اغالق النافذة( الريح الغريبة! هذه الريح الرهيبة العاتية! لم تعد هناك رمال على الشاطىء! كدت اجن! يا لهول ما رأته

عيناي! يا لبشاعة االشياء!؟ )يزيح الستار ثانية ناظرا الى الخارج( شاطىء الموت!لم يعد ثمة سرطان واحد في اعماق البحر! اوه.. يا للرهبة، امواجه المظلمة الرهيبة،

كاالشباع المفزعة كانت تزحف نحوي! كانت ترتفع.. وترتفع.. ثم تندفع خائرة، كانت تتلوى على قدمي بوحشية

كانت قدماي تنزلقان نحو الهاوية بقوة! كدت استسلم لطغيانها! كدت اقفز في لجة ليلها المفزع! )بضعف معيدا

الستار( في مثل هذه السرعة! اوه.. يا للشقاء من كان يتصور!؟ )بغضب متهجا الى مكتبه( لماذا لم تحمل هذه الريح المتوحشة، مياه البحر معها الى الجحيم! الى أي

مكان آخر؟ لماذا رمال الشاطىء!؟ أليس غير الرمال فيالعالم تحملها معها!؟

  )يلتفت ناحية النافذة مشيرا( -لماذا بحق الشيطان- لم

تحمل معها هذا العالم اآلسن.. ربما اتت بعده بعالم افضل..او.. او هذه المدينة الزانية!؟

  )ناحية الجمهور بحدة( او هذا القبر.. هذا البيت وكل اشيائه المنحطة! ولكنها لم تفعل! مجرد ان تتحداني.. ان.. اوه..

تلك الرمال.. يا للعنة! )يجلس الى مكتبه باعياء ضاربا على

ركبته( البد وانها ليلة من االفالس، تلك التي تمخضت عني! )بصمت.. ثم بسخرية( هه.. في المرحاض! مسكينة امي.. الم تجد غير المرحاض تسقطني فيه؟ )بيأس( يا لتعاسة! هل ضاقت بها الدنيا! في المرحاض!؟ )بغضب( ولكن ثمة مبرر لم يكف لها! انها تلك الطائرات المفترسة... انها هي

التي ولدتني في المرحاض، وهي تلد الجنون بعينه، مع مئات القنابل.. والتي كانت تصبها تلك الليلة على هذه المدينة..

ودون انقطاع! تلك الرعود البربرية... وتلك الزالزل المفزعة، هي التي تمخضت عني.. وفي المرحاض!

وكأنني.. وكأنني.. )بعصبية ناهضا ناحية الجمهور( أي ليل من الخوف والرعب!؟ )مشككا( ولكن.. أليس هواالفالس

بعينه؟ افالس العقل! افالس العالم من كل قيمه االخالقية! بل افالس االنسانية بأسرها!؟ )بغضب( وماذا غير ذلك

يعني.. ان يستبق ذلك الجحيم مولدي؟ ام أكون وليد خوف ورعب! ان تنحي الخالق عصبة مجنونة من الحدادين،

والنحاسين عن ادارة مصنع الحياة.. ولتستبد هي به! أليس الجنون بعينه؟ بل منتهى الجنون! ان يصبح الحداد والنحاس

مسؤولين عن هذا المصنع! )بسخرية( هه.. انا.. هه.. من صنع حداد! والبد انني سأنتهي على يديه! )بمرارة( يا

للتعاسة.. انني ال استطيع تصور ذلك! ولكنها الحقيقة.. والبرهان على ذلك، انني ولدت في المرحاض! )بسخرية(

الحرب.. الحرب من أجل الحياة االفضل! هه.. من اجل ان تضعني امي في المرحاض! وقبل ان يحين مع ذلك موعدي!

اجل. من اجل ان تكون المراحيض مهود والدة للبشرية! ولماذا؟ لكي احيا حياة افضل! يا للشقاء.. )ناحية الجمهور( هل.. هل.. )توقف فجأة. يتفحص الجالسين بارتياب، مشيرا ناحية الجمهور باستغراب( ماذا؟ انتم.. اال تزالون هناّ؟ ماذا

تفعلون هنا بحق الشيطان!؟ اوه.. يا للغباء! ظننتم انني سأترك هذا البيت لكم! بل يا للوقاحة! منتهى الوقاحة!

كدت انسى انكم هنا! كدت انسى تماما! ما كان علي ان

أفعل.. يتحتم علي اال أغفل عن ذلك مطلقا! انكم تحتلون بيتي.. تسرقون حريتي، ودون مبرر دون ان يردعكم قانون

عن ذلك! ال.. ال.. لن انسى مطلقا.. أعدكم بذلك.. انه لسوء حظكم! ولكنني سأبر بوعدي! )بسخرية( انكم تضيقون -وال

شك- بي ذرعا! ها.. )بجدية( انكم على حق! طبيعي ان يضيق المجرم بآثار جريمته! وطبيعي ان يدفعه ذلك الى

ارتكاب جريمة غيرها.. بل التمادي في جرائمه.. حتى يتمكن أخيرا من القضاء على كل ما يذكره بجريمته األولى! قانون

ذلك.. بل دستور هو عندكم وشريعة! )بارتياب( لماذا تنظرون الي هكذا؟ لماذا تتخذون جميعكم نفس الهيئة حين أنظر اليكم.. او احدثكم!؟ هذا التجهم القبيح.. هذا الصمت الرهيب، هذه الشراسة الساكنة في أشداقكم! يا إلهي! ما اسرع ان تتحول سحناتكم الى اشكال مفزعة! الى وجوه

متوحشة بشعة! حتى انفاسكم.. ثقيلة و بطيئة! و كأنها لهثات الذئاب المتضورة جوعا.. فحيح االفاعي المتحرقة الى

الدماء عطشا! )بجدية( لم أرتكب خطأ.. انها الحقيقة! ولكني تماديت في ثرثرتي، وكأنه لم يبق لدي ما أفعل، ما

كان علي ازعاجكم بمشكلة تخصني وحدي وتقلقني! ال أدري! ربما كانت تخصكم أيضا:؟ بل البد وان تخصكم.. انني

لم أدعكم الى بيتي! ولكنكم دخلتموه دونما، إذن مني! اقتحمتموه علي اقتحاما! )مشيرا الى احدى الحاضرات( هل تخصك هذه المشكلة؟ أعني.. أعني ان تكوني مجرمة.. وان تقضي على كل اثر لجريمتك!؟ )مستدركا( اوه.. لم أقصد.. كنت أعني.. اعني.. ان يكون جنينك من صنع حداد.. ثم.. ثم

يميته؟ أجل. هذا ما كنت أعينه بالضبط! 

)بسرور( اشكرك.. ال يتحتم علي ذلك. و لكتتي اشكرك! مجرد ان تفهميني.. مجرد ان تنتصري لرأيي.. مجرد ان

تحاولي اقناع غيرك بصحة رأيي.. تميل بكفة الغلبة لي في

النهاية.. و انتصاري! طبيعي ان ال توافقي.. البد و ان يكونجنينك خلقا انسانيا!

  )بحماس متراجعا( أي ام توافق على جنون كهذا.. ان يكون المرحاض مهدا لوليدها؟ ال توجد ام في العالم توافق على

ذلك! يتحتم علينا جميعا ان ال نوافق.. ان ننتصر لجميعاالمهات في العالم!

  )بغضب( و لكن امي.. اجل ولدتني في المرحاض.. احد في العالم كله لم ينتصر لها! ام واحدة لم تعترض على ذلك! ما

كان يحدث -ب الشيطان- لو انها.. لو انها تتلقفني براحتيها!؟ ما كان يحدث لو ان ذلك الجحيم اجتاح العالم و

هي.. وهي تجلس على كرسي المرحاض!؟ )باحتقار( بالطبع.. طبيعي ان تضحكوا! انكم تعتبرونها قضية خاصة..

طبيعي ان ال تشذوا! قانون هو ان تدركوا الحقيقة بعد فوات االوان! هذه طبيعتكم! نهاية العالم.. كيف يمكن الم ان

تضحك من مأساة كهذه! كيف يمكن الم ان ال تثور المتهانامومتها!؟

  )بحماس معبرا( أي ام ال ترغب في أن تأخذ طفلها اليها.. ان تضمه الى صدرها، و تقبل ثغره ان تراقبه و هو يلوك ثديها بلثته اللحمية.. و يدغدغه بيديه الصغيرتين! منتهى

السعادة.. كل ام تحب ذلك! 

)بحزن متراجعا( و لكن أمي لم تحط بذلك.. انها لم ترني و لو لمرة واحدة الثم ثديها! في نفس اللحظات التي كانت

تمنحني فيها الحياة.. كانت تفقد هي حياتها! )بنقمة( النزيف.. النزيف االحمر القاني اجل. انه هو الذي قتلها، و

دون ان يستطيع والدي، ان يفعل من أجلها شيئا! أي شيء! )بغضب( و ما الذي كان يستطيع فعله، و في ذلك الجحيم

الذي كان يجتاح العالم؟ ماذا!؟ انه لم يكن يعلم! ان احدا لم يستشره! بل تآمروا عليه جميعا. )بثورة( اجل. تآمروا عليه..

العالم بأسره.. و سيظل ذلك النزيف القاني لطخة جريمة مروعة.. تلوث يديه أبد الدهر.. العالم بأجمعه! اجل. العالم

بأسره.. هو المسؤول عن هذه المأساة االليمة.. مأساة والدتي! على كاهله سيحمل وزرها الى االبد.. الى االبد!

)بضعف( أليس هو البؤس بعينه، ان يرضع االنسان ثديا غريبا عنه.. ان ينشأ و يكبر مع مأساة والدة كوالدتي!؟ )بحزن(

حتى أبي.. ذلك المسكين.. لقد جروره هو اآلخر الى الموت قسرا.. كان يحمل الموت معه لآلخرين! )بحماس( انه لم يوافق مرة على ذل! لكنه ارغم.. لكن يكن له ثمة مبرر..

انها الحرية.. الحياة الكريمة! )بشرود( اخذني اليه يقبلني.. كان يغالب دمعه.. كنت ألهو حينها مع االطفال. أجابني بأنه

سيعود قريبا! سألته عن سفره.. و عن تلك المالبس الرهيبة.. كان يبدو مرعبا.. )ببهجة حزينة( قال لي انه يحبني كثيرا! )بأسف( و حين استقل السيارة.. )معبرا ببكاء( جريت

خلفه.. كنت أصرخ بأعلى صوتي مناديا.. أبي.. ابي.. كان يلوح لي و هو يبتعد.. و يبتعد.. كنت ال أزال أجري خلفه..

وأجري! رأيته يمسح دموعه و هو يلوح لي.. الى ان غابت السيارة بعيدا ! الى ان غاب والدي! انه لم يعد بعد.. لقد

غاب الى االبد!؟ )بضعف( لم أره منذ ذلك اليوم.. كنت في التاسعة من عمري.. في التاسعة فقط! يا للضياع! )بشرو

يائس( و أخيرا بقيت وحدي.. لقد ذهبوا جميعا! امي..والدي.. ذلك االله الصغير طفلي.. لبنى..

  حتى لبنى تركتني مع االآلم وحدي.. لم يبق لي شيء! ال شيء! )يجلس الى مكتبه باعياء( ال شيء.. الريح الغربية

دائمة الهبوب.. لعنة المرحاض.. المجانين.. رمال الشاطيءالمتعفنة.. و من ثم سرطان البحر! اجل. سرطان

البحر! هذا السرطان المسعور ذلك القطيع المفزع! لم

يبقى في اعماق البحر سرطان واحد!! كانت جميعها تزحف على الشاطىء.. كانت تغرس مناقيدها المسننة المتوحشة

في أعماق الرمال.. و هي تنهش.. اوه.. يا للرهبة! )يصمت. ينصت الى صوت الريح. يدندن بشرود ثم يردد( ذهب

الصيف.. و لم تعد هناك طيور تغني.. ماذا افعل اآلن، و قد تركتني وحيدا؟ ماذا افعل اآلن، و قد تركتني وحيدا.. تركتني

وحيدا! )يدندن. ثم يصمت منصتا الى صوت الريح( و لكن لماذا تركتني وحيدا يا لبنى؟ لقد احببتك.. بل عبدتك! كيف

استطعت؟ كيف!؟ ان تحطمي حياتي. لقد قضيت اجمل سني عمري اناضل من اجلها.. )بضعف( لال مأوى كنت.. لال طعام كان طعام مأواي في الليل محطات القطار، و عفن

الميناء في مخازنه مع الجرذان! و في النهار، في جحيم الشمس.. و زفير المداخن الخانق! كي اوفر الراحة بعدها

لعيشي! كان علي ان افعل ذلك لوحدي.. و حين حصلت عليها! اياها سلبتني! لقد سلبتني كل شيء!! )بغضب واقفا(

و لماذا؟ من أجل كل ذلك الجنون الذي تماديت فيه! )بيأس( اولئك السحرة المختالون.. لقد سلبوا عقلها.. اولئك

اللصوص المتآمرون! تلك الرأس الغبية! احد خنجر يصوب الى قلبي.. اثقل صخرة تشد اليها رجولتي! كيف؟ كيف!؟ انني ال استطيع ان اتصور. )بشرود( يا الهي.. تلك الرأس

الصغيرة! من كان يتصور!! عندما عرفتها الول مرة.. كانت بسيطة ساذجة.. رقيقة عذبه.. كان ذلك الحزن الوديع

الساكن في عينيها يزيد من سحرهما.. اجابت من خلف حزنها ذات مرة.. ان ال احد في الدنيا لها! اخبرتني بأنهم

تحت الردم جميعا.. وذات الليلةمجنونة من ليالي الحرب!! )بعطف( كاد قلبي يتفرط حزنا.. شعرت انها قريبة مني..

قريبة جدا! احسست انني في امس الحاجة اليها.. ألن تكون الى جانبي.. ألنها تشاركني شيئا ما.. مأساة والدتي! لعنة

تيهي وتشردي! )بأسف( ولكنها تغيرت.. تغيرت تماما! انها لم تعد تلك التي كنت في حاجة اليها! تلك الساذجة

الطفلة!! ذلك الحزن الساكن في عينيها.. لقد تغير كل شيء! )بضيق و تشك( الى نمرة شرسة تحولت، و فجأة!

على أطراف فكيها المفترسين.. كانت الدماء ال تنفك تقطر.. يا للتعاسة.. كان صعبا علي ان اصدق! في الصباح تركتها ذلك اليوم.. في الصباح فقط! و حين عدت اليها في

المساء. كان كل شيء قد تغير! ليست العينان عينيها.. و الالشعر شعرها! كل شيء اصبح غير الذب كانت في كان

في الصباح حين تركتها! بحثت عن تلك الواحة الخضراء في عينيها، فلم اجدها! كان وجهها.. كان صحراء لون الكبريت

المحرق رمالها! حتى شعرها.. اجل شعرها! كان على النمرة ان تستكمل شكلها تلك اللبدة الصفراء الرهيبة..

كانت تغمر رأسها و وجهها.. بل و عينيها المشعتينبحقدهما.. كانتا تتوقدان من خاللها!

  )بخوف( لم اجرؤ على االقتراب منها.. كدت افقد -ياللرهبة-

في جحيم تينك العينين عقلي! حسبت انني بنوع من عمى االلوان اصبت فجأة! و لكنها كانت هي. اجل هي.. النمرة الشرسة! كانت هناك.. قي زاوية البيت تربض انه الجنون

بعينه! لم أجرؤ حتى على الكالم.. على استرداد لبناي..صديقتي.. )بحنان( كان ذلك التكور الجميل.. ذلك

الجنين الخالد الى رحم النمرة ولدي انا... يمنعني من ان اعارضها في شيء! كنت أريد لها السعادة.. كل السعادة، و في كل شيء! على حسابي.. حساب سعادتي! اجل. هكذا

كنت اعاملها دائما! ينبغي علينا جميعا، ان نعامل نساءنا الحوامل هكذا فبعضنا ذلك الذي يحملنه لنا في ارحامهن و

يحرسن! )بسعادة( هل أجمل من ان يرى االنسان بعضا منه ينمو يكبر؟ يمتص الحياة ليخرج اليها! و ليمأل عليه بالسعادة

عالمة!؟ و لكن.. و لكن.. )بيأس( كيف استطاعت ذلك؟ كيف!؟ لم يحدثفي التاريخ.. لقد تعلمته جيدا. اجل.لم يحدث

ابدا! نمرة واحدة لم تفترس طفلها! اما هذه النمرة

الشرسة.. النمرة مفترسة اطفالها لقد افترسته.. اجل. اغتالته! كيف استطاعت ذلك -بحق الشيطان-! كيف!؟ ان تجهضه بيديها هي! بيديها المجرمتين فعلت ذلك! )بغضب(

كذب ذلك.. منتهى الكذب! منتهى الكذب! لم يكون أبدا ضعفا في الدم! لم يكن مطلقا سوءا في التغذية! ابدا لم يكن! كلهم كذابون اولئك االطباء.. افاكون جميعا! بيديها

المجرمتين فعلت ذلك.. وباعياز منهم! لقد ساعدوها على ذلك.. ولماذا؟ النه سيكون ولدي! )بأسف( يا الهي.. لقد

احضرت له المهد! انه لم يره! كيف ندع لالرض بحق السماء.. ان تستقبل اطفالنا! وقبل ان تستقبلهم مهودهم!؟

قبل ان يروا على درب الحياة نورها.. وهم الحرين بحمل مشعلها!؟ مشعلها المقدس. يا الهي.. ذلك الوجه الجميل!

تانك العينان! )ببكاء( ذلك االله الصغير!؟ كم كنت امني النفس به عزاء.. ان اراه يعبث بأشيائي.. باشياء البيت كلها!

ان يمأل عالمي هديال عذبا.. ان اراه على الشاطىء يجري ويمرح.. في رماله الناعمة يغرس قدميه الصغيرتين.. وبيديه الطفلتين يصنع منها بيوت احالمه. ان اشاركه مرحه ولهوه.

ان آخذه الى صدري، احكي له الحكايا. قصص آلهات االغريق واالميرات الجميالت. ان اغني له اجمل االلحان..

اغان للجمال والحب عذبة.. متناسيا في روعة السحر على بسمته، كل مشاكل الحياة من حولي وجحيمها.. وتلك اللعنة

التي ال تمحي.. لبنى! )بجزم( يتحتم علينا ذلك! ان نتنازل عن كل سعادة في الدنيا، مقابل ما يمنحنا اطفالنا من

سعادة! ان نمنحهم نفوسنا! )مشيرا الى احدى الحاضرات باشفاق( هل رأيت قبره في الخارج؟ هناك عند مدخل

البيت! ذلك القبر الصغير.. )بسعادة حزينة( انه جميل! اليس كذلك!؟ )بأسف( لقد ذوت جميع ازهاره.. لم تعد لبنى

تسقيها.. وشغلتني بمشاكلها وجنونها عنه! مؤسف ذلك! ولكنه ما زال جميال! )ببكاء( كلها جميلة.. تلك القبور التي

تحوي في داخلها اطفالنا.. كلها عزيزة علينا! )يردد بشرود(

"على شواطىء العوالم الالمتناهية اطفال يحتشدون، العاصفة تدور في الجو على غير هدى، والسفن تغور في

اليم معدومة االثر، و الموت جوابه يترصد، و االطفال يلعبون، على شواطىء العالم الالمتناهية حشد من االطفال عظيم!" )ببكاء( كم طويلة هي الساعات التي قضيتها.. في

ضوء القمر الى جانب قبره! لقد فقدت كل شيء بعده.. كل سعادة! )باعياء( و لماذا؟ الن لبنى اصبحت تؤمن بالحرية..

حرية الذئاب.. تلك التي لقنوها! )بغضب( حرية ماذا؟ ان تهدم حريتي لتبني على انقاذها حريتها.. ان تسترد حريتها المسروقة في تشردها و تيهها.. و ما سلبتها الحرب من

حقها في الحياة من حريتي انا! اجل.. ان تنتزع رئتي، لكي تتنفس هي بها! لقد علموها ذلك جيدا.. اولئك الذئاب!

)بثورة( ملعونة تلك الحرية.. و ملعون كل ناشد لها! )بيأس( أال يكفي ذلك الن يفقدني صوابي! الن يجعلني افر بعيدا، و لو الى الجحيم نفسه! لقد ارادوا لي ذلك.. )بحزم( و لكنني قررت اال افعل. و ان اقف في وجههمم جميعا! بل قررت ان انتقم.. ان انتقم لنفسي و لحريتي.. ان اخلق من هذا

الجحيم الذي خلقته لي لبنى، جحيم لها.. و لكل اؤلئك الذئاب.. و لكلبها الوقح.. ذلك الذي احضرته لتعوض به عن

االطفال .. و ليحتل فراشي.. انني أعرف.. اجل. اعرف جيدا ان االنتقام خروج على القانون، بينما االعتداء مخالفة له فقط.. فانا مدرس للتاريخ! و لكنني قررت ان انتقم.. و ان انتقم بنفسي! )بحدة( فالقانون الذي يعتدي عليه دون

رادع، ليس قانونا هو ألبتة! )بيأس( و الول مرة! اجل الول مرة اصبحت اؤم الحان.. نعم أنا.. مدرس االدب و التاريخ!

انا الذي كنت منذ المساء آوي الى عش لبنى! اصبحت اقضي ليلي مع السوقة في الحان اعب الخمر.. تلك الخمرة الردئية القاتلة.. علها تنقلني بعيدا عن لبنى.. و عن كلبها، و عذابها المبرح في جحيم قربها! العود كل ليل آخر ليل، ثمال

مخمورا.. كنت أقذفها بكل ما يأتي الى يي.. بل و مزقت

جميع ثيابها و قذفت بها الى الشارع.. كل زينتها و اشيائها.. بل كل ما يتعلق بها و بعوزها! لكي اجعلها قعيدة البيت

تموت بحقدها.. )بانتصار( لقد فعلت هي األخرى كذلك! و لكنه لم يعد يهمني.. لقد طردني اولئك االوغاد من عملي لم

أعد مدرس التاريخ و االدب! لم أعد أصلح لذلك! هه.. و لماذا!؟ النني اشكل على مصالحهم خطرا! ان ابغي الحياة

الكريمة البنائهم، هه.. خطر.. ان انقذ ابناءهم من ذلك الجنوون.. ان اجنبهم من التردي في وحل آبائهم.. هه.. يا

للشقاء -خطر! 

)يجلس الى مكتبه باعياء. يأخذ زجاجة الخمر الفارغة اليه.. يتأملها ثم يحاول استنزاف ما فيها من خمر، ثم يضعها

بعصبية( لم يبقى لي شيء. اجل.. طردني اولئك االوغاد..لقد قضوا على آخر عزا لي! و لكنني لن اخضع لهم! و لن استسلم ابدا.. ال يمكن ان استسلم.. فألمت

جوعا كما يبغون. يستطيعون هم شل معدتي و اسكاتها.. اما لساني، فال! مستحيل ان.. )يصمت فجأ. ينصت الى صوت

الريح القوية بذعر( الريح الغربية مرة أخرى! هذه الريح المجنونة العاتية..انها تزهق روحي..ال تهب اال الغتيالي..

حتتى الريح -يا للعنة- جندوها لصالحهم! )بضيق( اال تكفوا هذه الريح -بحق جهنم- عن هبوبها؟ البد و انها لم تترك على

الشاطىء.. ذرة من الرمل واحدة! )بخوف( البد و انها حملتها معها جميعها، و انها كشفت عنها مرة اخرى! اوه.. كال.. كال.. حتى و لوكان اله العواصف نفسه فقد.. اوه.. يا الهي! مستحيل ال استطيع ان اتصور.. )ينصت الى صوت

الريح. يقفز ناحية الباب بذعر و فزع( دبيب اقدام! في هذا الوقت المتأخر من الليل!؟ يا للرهبة! انها تدب.. و تدب.. هؤالء الوحوش.. البد و انهم قد.. البد و انهم تبعوني الى

الشاطىء! البد و ان ذلك الوغد.. كان يختبىء خلف المنحنى! )متراجعا( كال.. ال يمكن ان يكونوا.. ان احدا لم

يرني حين ذهبت.. )ينصت ثانية ثم يضيف( حذاؤه الثقيل.. نفس الحذاء نفس الدبيب.. البد و انه يقترب من البيت.. انه ينظر الى النافذة.. نظراته تخترق الجدار! كال.. بل هو قطيع

من االحذية.. االحذية الثقيلة المفزعة. القطيع يزحف نحو البيت! )صوت الريحبوضوح.. صارخا بغضب( ليوقف هؤالء

االغواد زحفهم المغيت.. ليسكتوا مطارق احذيتهم. ليخرسوا هذه الطبول البربرية.. هذا الهتاف البشع على دروب المشانع! ) يصمت.. الريح بهدوء. ثم باستغراب( انهم

يبتعدون.. يبتعدون.. )بخوف( نفس الليلة.. نفس الريح.. نفس الجنون! كنت ثمال حين رجعت الى البيت لقد شربت

طول الليل دونما انقطاع! )بيأس( وجدتها تنتحب.. كانت تضم ذلك الكلب اللعين اليها.. كنت متعبا.. وفي أمس

الحاجة اليها.. كنت اود لو اعانقها.. على صدرها الدافىء انتحب! كان كالنا يحترق بعذابه لآلخر، كان كالنا ينصهر في

جحيم الثأر المتأجج في صدره. وددت لو ينسا كالنا ما بيننا.. لعنة االنتقام. لعنة هيرا. التي ال تزال تجري في دمائنا! ان نبدأ حياتنا من جديد.. ولكنها.. )بغضب( ولكنها لم تعطني الفرصة لذلك الجنون بعينه! اقصتني بعيدا عنها.. صرخت كالمجنون في وجهي كما.. كما لو كنت وحشا ضاريا! انه الحقد.. ذلك الحقد االسود. والذي كان يأكل قلبها.. تلك

النمرة الشرسة! )بثورة( لقد فقدت عقلي عندها ان قضضت عليها.. قبضت بكل ما تملكه يداي من قوة. ورغبة في االنتقام.. على عنق ذلك الكلب المقيت.. كانت تقاوم..

النمرة الحقود تقاوم.. تنشب مخالبها المفترسة في عنقي.. اال انني لم اتركه.. زحقت روحه على صدرها.. بين ذراعيها! )باعياء( لم أفكر أبدا في قتلها هي! لم افكر مرة في ذلك!

كنت اريدها تتعذب وتتألم بقدر ما أحببتها! اال انها.. هذه الشقية اندفعت كالمجنونة الى الخارج تصرخ بأعلى صوتها!

لقد جن.. سامي جن.. انه يريد قتلي! يريد قتلي! يريد قتلي! )بهستريا( الشقية.. انا مجنون .. مدرس األدب..

مدرس التاريخ.. مجنون! اندفعت خلفها.. )يتوقف فجأة. ينصت الى صوت الريح ملتفتا ناحية الباب بفزع( االحذية

المتوحشة.. يا للعنة انهم يتقدمون! انهم يعودون! )بجنون نحو النافذة. يزيح الستار ناظرا الى الخارج( يا للشيطان!

انه هونفسه! ذو القبعة السوداء! انه يتوقف.. ينظر الى النافذة.. نظراته المتوقدة.. ال شك انه رآني، حين كنت

أدفن جثتها عميقة! خشيت تلك الريح المسعورة! )متراجعة( هذه الريح اللعينة.. كانت تحملها مع الرمال.. يا للرهبة.. لم

يبقى منها سرطان البحش شيئا! تانك العينان! ذلك الفم الجميل! اوه.. يا لبشاعة االشياء.. قطيع من سرطان

البحر!؟ كانت مجرد هيكل عضمي! رمة متآكلة.. كيف حدث ذلك! كيف؟! وبمثل هذه السرعة! )بغضب( هذه الريح المقيتة انى أتت؟! )يعود الى النافذة ثانية. يزيح الستار

ناظرا الى الخارج بغضب( انه ال يبرح مكانه! عيناه المتوقدتان.. )يفتح النافذة بثورة( ما الذي تريده ايها الذئب؟

ها.. ايها الثور الهائج! انني ال أخشاك.. ال! الارهب نظراتك هذه الخبيثة.. لم أرد قتلها.. انك تعرف ذلك جيدا! ابدا لم

افكر في ذلك.. انه ذلك الوقح كلبها ما اردت قتله! انها فعلت ذلك بنفسها! لقد فرت من البيت.. كانت كلمجنونة ناحية الشاطىء.. كانت تريد االنتحار وال شك! انني.. انني

لم.. لقد حاولت ارجاعها فقط.. ردها عن ذلك الجنون! ولكنها أبت! )بهستيريا( لماذا ال تتكلم! لماذا ال تأتي الي!؟ لماذا تقف كالصنم هكذا!؟ ها؟ لماذا ال تقول انك رأيتني،

أدفنها في جوف الرمل عميقا.. عميقا؟! فانني ال اخافك.. هل تسمع؟ ال أرهبك! لقد فقدت كل شيء.. انها هناك ايها

الذئب.. هناك على الشاطىء.. كتمت انفاسها بيدي هاتين.. هناك.. ال.. بل انتم الذين قتلتموها.. لقد فعلت ذلك باعياز

منكم.. لقد اردت ارجاعها فقط.. كانت تريد االنتحار! كانت تغرس انيابها المتوحشة في يدي.. اردت انقاذها من ذلك الجنون.. كانت تجري بكل قواها نحوالبحر.. كادت تقذف

بنفسها في ليل امواجها الرهيب.. )يندفع نحو الباب بجنون ثم يعود الى النافذة( هناك هل تسمع.. فانني ال اختفكم..

)يندفع نحو الباب بجنون يحاول فتحه( ال ارهبكم.. سأتحداكم جميعا.. سأنتصر عليكم جميعا.. جميعا.. وحدي )يخرج(

وحدي. )انتهت( 

مراجع:[ -لجنة العمال.1] [ -فوزي السمر، "هذا العالم" )هعو الم هزه( مجلة2]

(. 1967 )حزيران 39اسبوعية تصدر بالعبرية، العدد [ -من المفيد ها هنا تسجيل احصاءات هامة عن عرب3]

األرض المحتلة يمكن أن تشكل خلفية البحث القادم، وتساعد على فهمه، وهذه االحصاءات مأخوذة من كتاب

"اسرائيل اليوم" من منشورات الهستدروت، تحرير يهودا ( وقد استقاها بدوره من "هامز راح ها1967غولهلف )عام

الف عربي في األرض300( :يوجد حوالي 23حداش"-ص بالمئة منهم69 بالمئة من السكان( 11المحتلة )حوالي

بالمئة دروز.9 بالمئة مسيحيون، 22مسلمون، نسبة التوالد بين العرب عالية جدا، وحسب احصاءات

15، كان نصف السكان العرب اعمارهم أقل من 1963 بالمئة من السكان عرب في اسرائيل تحت سن75سنة، و

بالمئة تحت سن األربع سنوات.20الثالثين، قرى6ثالثة ارباع العرب في اسرائيل يعيشون في القرى،

الف عربي27 آالف نسمة. يوجد 5منها سكانها فوق ال في تل أبيب5900 آالف في شفا عمرو، 8في الناصرة،

في الرملة،2500 في عكا، 7250 في حيفا، 10700ويافا، في اللد.1850

آالف امرأة عربية يشكلون قوة9 الف رجل عربي، و60عاملة يدوية في المدن االسرائيلية.

نصف العرب الذين يعملون كأجراء يعملون خارج مراكزسكناهم.

(. و "اويشفتز"1967 )ايار 38[ - "هذا العالم"، العدد 4] معسكر اعتقال نازي في بولونيا شهد عمليات قتل جماعية

بالغاز لليهود.[ - شالوم كوهين، المصدر نفسه.5].121[ -غوثهلف، المصدر السابق، ص 6].47[ -المصدر نفسه، ص 7] [ -أحمد الخطيب، صحيفة "االتحاد" )وهي صحيفة8]

بالعربية يصدرها الحزب الشيوعي في اسرائيل(, تل أبيب،.1968 آذار 29

.47[ - "اسرائيل اليوم"، ص 9].121[ -المصدر نفسه، ص 10] [ -نص المذكرة نشرته كامال مجلة "فلسطين" -ملحق11]

، و اشارت اليها1965 كانون الثاني 24المحرر- بيروت، "المجلة الديمقراطية" صوت القوة الثالثة في اسرائيل في

.14/9/1964عددها بتاريخ .47[ -"اسرائيل اليوم"، ص 12][ المصدر نفسه.13](.1967 )ايلول 42[ -"هذا العالم"، العدد 14] [-"الغد" )مجلة بالعربية يصدرها الحزب الشيوعي15]

(. 1967 )آذار 2شهريا( ، العدد [ -"الفجر" )مجلة ادبية سياسية شهرية، كان يصدرها16]

2 (، العدد 1962حزب المابام؛ توقفت عن الصدور عام (.1961)شباط 3السنة

[ -ناقشه فوزي االسمر بعنف معتبرا الدعوة وسيلة هدم17].7-6مقصودة .المصدر نفسه، ص

(.1967 )آذار 36[ -"هذا العالم"،العدد 18] [ -المصدر نفسه. )و على سبيل المثال ايضا: في أواخر19]

قتل االسرائيليون خمسة من الشبان العرب ال يتجاوز1961

من عمره، أثناء محاوالتهم عبور الحدود الى18أكبرهم ال غزة محاولة الستكمال دراستهم، بينهم: ريمون حنا، و جورج ناصر شاما، و جريس بدين )من وادي النسناس في حيفا(،

و فايز احمد السبع من سخنين(. [- المصدر نفسه، ويبدو ان عمليات من هذا النوع تكرر20]

على نفس الطريقة وعدة مرات، ألن النبأ استخدم جملة"مقتل شاب عربي آخر"، والواضح انه لم يكن يحمل سالحا.

[-المصدر نفسه. وأيضا في "المجلة الديمقراطية"، تل21]. 12/3/1967أبيب،

[ -اسمه بدران جميل مشعل وهو من شفا عمرو وقد22] كشف النقاب فيما بعد1965وقع الحادث في كانون االول

انه كان عضوا في "حركة الوحدة العربية" الطالبية السرية، وقد ذكر انه تعرض لتعذيب وحشي قبل "الحادث" المزعوم -راجع القصة كاملة في "فلسطين"ملحق المحرر- بيروت،

13/1/1966.(.1967 )أيلول 42[ -"هذا العالم"، العدد 23](.1967 )آذار 36[ - المصدر نفسه، العدد24](1967 )ايلول 42[ -المصدر نفسه، العدد25] و1929[ - ولد في قرية الطيبة قضاء طولكرم عام 26]

درس في كلية النهضة بالقدس حيث انهى دراسته الثانوية . من الشباب الدين أسسوا حركة "األرض"و1947فيها عام

تعرضوا لملحقات السلطات المحتلة فترة طويلة. سجن عدة مرات و هو يقيم اآلن في "المنفي" داخل اسرائيل،

اقامة جبرية. و له عدة مقاالت جريئة. [ - من عكا، و من جماعة "األرض" و مؤسسيها. له عدة27]

قصائد القاها في مهرجانات تظهر وعيا عربيا جريئا. لوحق و سجن و أقام فترة في المنفي و فرضت عليه االقامة

الجبرية، و اوقف هو و زوجته توقيفا كيفيا في حزيران ،1968. استمر توقيفه دون سبب حتى اول حزيران 1967

ثم خير بين ان تنزع جنسيته االسرائيلية ويطرد الى الخارج

و بين ان يبقى في السجن حتى "تحل قضية ففلسطين نهائيا"، فاختار ان يطرد، مقيم اآلن خارج اسرائيل مع

زوجته. [ - برز اسمه، كاحد ممثلي المثقفين الوطنيين العرب28]

في األرض المحتلة، مؤخرا، القي القبض عليه بتهمة ايواه المقاوم الفلسطيني احمد خليفة في بيته، و كان قد ألقي

حزيران. طالب في5القبض عليه قبل ذلك أثناء عدوان كلية الحقوق في الجامعة العبرية، و األمين العام لمنظمة

الطلبة العرب فيها.(.1967 )تموز 40[ - "هذا العالم"، العدد 29](.1967 )آب 41[ - المصدر نفسه، العدد30][- المصدر نفسه.31][ - المصدر نفسه.32](.1967 )آب 41[ "هذا العالم"، العدد 33][ -المصدر نفسه.34][ -المصدر نفسه.35][ -المصدر نفسه.36](.1967 )ايلول 42[ -المصدر نفسه، العدد 37][ -المصدر نفسه.38] [ -"الجديد" )مجلة شهرية تصدر العربية(، العدد ايار39]

، حيفا.1968 )كانون الثاني -شباط3، السنة 2[ - راشد حسين، العدد40]

1961.) )آذار36[ - فوزي األسمر، "هذا العالم"، العدد 41]

1967.)[ - المصدر نفسه.42][-المصدر نفسه.43][ -فوزي االسمر، المصدر نفسه.44][ - محمد مصاورة، المصدر نفسه.45][ - سلمان شحادي، المصدر نفسه.46]

[ - أحمد دسوقي، المصدر نفسه.47][ - فوزي االسمر، المصدر نفسه.48] ( مناقشة1962- ايار 3[ - في مجلة "الفجر" )العدد 49]

حارة بين فتحي فوراني و جمال قعوار، ألن اتهم األول بأن عددا كبيرا من االلفاظ التي يستعملها في قصصه "مأخوذ

من االذاعات العربية".(.197 )حزيران 39[ -"هذا العالم"، العدد 50](.1967 )ايار 38[ - المصدر نفسه، العدد 51][ -ادوار طعمة عيسى، المصدر نفسه.52](.1967 )آب 41[ -المصدر نفسه، العدد 53] [ -مؤرخ فلسطيني من حيفا، يعرفها الجميع ألنه من54]

الجيل المخضرم الذي تتلمذ الكثيرون على يديه، يمتلك منطلقات يساريه. جريء للغاية. كتب ابحاثا سياسية

وتاريخية تتميز بقوة المنطق والوضح والجرأة.(.1967 )ايار 38[ -المصدر السابق نفسه، العدد 55[]88] [ -ألخذ فكرة أكثر تكامال وتفصيلية في هذا56[]89]

النطاق، راجع الدراسة الممتازة التي وضعها صبري جريس بعنوان "العرب في اسرائيل" والتي ترجمها مكتب جامعة

الدول العربية الى العربية؛ ونشرت بالعربية عن مركز االبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية وباالنكليزية عن

مؤسسة الدراسات الفلسطينية. [ - "بيت الجنون"، مسرحية بقلم توفيق فياض، اقرأ57]

نصها الكامل في ملحق "االنوار" االسبوعي، العددين(.20/8/1967 و 13 )2461، 2455

[- راجع جريدة "المرصاد " التي تصدر في اسرائيل )58] (؛ نشر الخبر تحت عنوان "راسكو تقيل2/6/1966

الموظف العربي الوحيد فيها" مشيرا الى ضغط الحكومة على الشركة السباب تتعلق بنشاط فوزي االسمر الثقافي

والسياسي.

[ -نصها متوفر بالنكليزية فقط، راجع "نيو آوتلوك"59] )مجلة شهرية باللغة االنكليزية، تصدرها في اسرائيل

(.1962 )نيان 43مؤسسة تازبيث للنشر(، العدد (.1961 )شباط 2[ - في مجلة "الفجر"، العدد60](.162 )ايار 3[ - في مجاة "الفجر"، العدد 61] [ - من المؤسف حقا انا ال نستطيع، حتى اآلن، وضع62]

دراسة كاملة عن العمل النثري في االدب العربي في االرض المحتلة، و الرواية الوحدية التي سمعنا عنها كانت

"المشوهون" لتوفي فياض، و لكن الحصول عليها كان متعذرا، ثمة قصص قصيرة تلفت النظر، اشرنا الى بعضها، و لكنها ال تكفي فعال لتكون مصادر بحث متكامل. في هذا

النطاق توجد قصة قصيرة جيدة اسمها " الننا نحب االرض" بقلم محد نفاع )من بيت جن( نشرت في "الجديد" )ايار

( و هي قصة تشير الى كاتب واعدن و في نفس1968 العدد من هذه المجلة يلمح القارىء ناقدا جيدا اسمه محمد

علي طه )من كابول( و مع ذلك يظل الشعر، و غزارته وتعدد كتابه، هو الظاهرة الملتفة للنظر.

اال انه يجدر االشارة، مبدئيا، الى عمل ادبي اسمه "سداسية االيام الستة" بدأ كاتب مجهول اسمه ابو سالم منالناصرة

، و مما ال1968ينشره بالتسلسل في "الجديد" منذ آذار شك فيه ان وراء هذه السداسية التي يمكن ببساطة

اعتبارها نموذجا للقصة_المقاومة موهبة ممتازة، و هي تشكل ابرز عالمة في العمل النثري العربي داخل االرض

المحتلة حتى اآلن. ، يعمل مدرسا اآلن، له1930[ -ولد في الناصرة عام 63]

شعر جيد و هو يهتم بالنقد. و من المعتقد انه كتب بعض القصص القصيرة. تثير مقاالته والراؤه األديبة جدال في

الوسط الثقافي العربي في االض المحتلة. [ - راجع مقاال حول الموضوع بقلم فوزي االسمر في64]

(.1960 )ايلول 10مجلة "الفجر"، العدد

[ -يجدر بنا أن نالحظ ان الغالبية الساحقة من عرب65] الف نسمة300االرض المحتلة الذين يبلغ عددهم أكثر من

( هي من1967)دون االراضي التي احتلت في حزيران الفالحين، و الشعراء أنفسهم الذين يتوجهون أدب المقاومة في فلسطين المحتلة جاءوا من الريف، و الواضح -سياسيا

و قوميا- ان سكان الريف الفلسطيني المحتل هم الذين بادروا الى النضال الوطني و تحملوا القسط االوفر من

مسؤولياته و نتائجه السياسية و االقتصادية و االجتماعية )راجع: "العرب في فلسطين"، بقلم المحامي صبري

جريس(. [ - في الجانب المحتل من قرية "بيت صفافا" تشيع66]

زغرودة أثناء األعراس تقول:"وين ام العرب، مالي ال اريها

في عرس ابنها تيجي اهنيهاواقفي قبالي

ومش قادرة احاكيها" فترد زغرودة أخرى في الجانب العربي من القرية

المشطورة ذاتها،في حوار يتجاوز االسالك بصورة رمزيةفريدة، و هذا -على أي حال- موضوع آخر.

[ - راجع "أدب المقاومة، في فلطسطين المحتلة"،67]للمؤلف.

في قرية الرينة قرب1928[ -ولد حنا أبو حنا عام 68] الناصرية، ودرس في الكلية العربية في القدس. عمل في التعليم، ثم في صحيفة "االتحاد" ومجلة "الجديد"، ويقوم

اآلن بتعليم األدب العربي في الكلية االرثوذكسية في حيفا. له بحوث أدبية ةنقدية، ويعتبر من الرعيل الطليعي المعلم،

وعلى يديه وبشعره تتلمذ معظم شعراء المقاومة العربيةفي فلسطين المحتلة.

[ -ولد محمود درويش في قرية "البروة" قرب عكا عام69] . يساري و1949. و هدم االسرائيليون قريته عام 1941

كان قد اشترك قبل ذلك في جماعة "االرض"، سجن ثالث (. يقيم حاليا في حيفا تحت1967 و عام 1961مرات )عام

االقامة الجبرية. له الدواوين التالية: "عصافير لال أجنحة" ) (، "عاشق من فلسطين"1964(. "أوراق الزيتون" )1960

(، و يعتزم اصدار ديوان1967(، "آخر الليل" )1966)خامس اسمه: "يوميات جرح فلسطيني".

[70- ]1967.[71- ]1964.[72 ]1964.[73 - ]1964.(.1964[ -من "اوراق الزيتون" )74][75- ]1964.[76- ]1966. في مدينة الزرقاء في الضفة1939[ -ولد عام 77]

الشرقية من االردن، حيث كان والده يعمل ضابطا في الجيش هناك، وعادت عائلته الى الرامة )الجليل( وهو طفل،

وتلقى هناك دراسة االبتدائية، وأكمل دراسته الثانوية بعد النكبة في الناصرة. عمل في التعليم، ثم فصل بعد صدور ديوانه الثاني "أغاني الدروب" الذي حذفت الرقابة قصائد

( وفرضت عليه1961،1967عديدة منه. سجن مرتين ) االقامة الجبرية في حيفا بعد خروجه من السجن، باالضافة الى أوامر اضافية تقضي بعدم مغادرته المنزلبعد الساعة

السادسة مساء، كما يتحتم عليه أن يثبت وجوده مرتين عند البوليس أثناء النهار. مسلم درزي، ذو اتجاه يساري، وكثير

(1958االنتاج. أخر دواوينه، باالضافة ل "مواكب الشمس" ) ( و "دمي على1965( و "إرم" )1964و "اغاني الدروب" )

( اسمه "دخان الباركين" وقد صدر في أول1967كفي" )1968.

[ - سلب في مطالع الستينات اراضي قرى البعنة و78] نحف و دير االسد العربية ليبنى عليها مدينة كرمئيل اليهودية

في محاوالته لتهويد الجليل. [ - "البروة ": قرية عربية هدمها االسرائيليون عام79]

كيلومترا.15 و حرثوا انقاضها، تبعد عن عكا 1949 كيلومترات في3[ - "الليات": طريق بعد البروة ب 80]

اتجاه صفد، تمركز فيها جيش االنقاذ قرب قرية مجد الكروم.1948عام

[ - "الرامة": قرية على طريق صفد تشتهر بالزيتون، و81]هي مسقط رأس الشاعر.

[ - شاعر شاب و ناقد و صحفي، أصل عائلته يرتد الى82] يافا، و يعمل حاليا في صحيفة "هذا العالم". طرد من عمله

عدة مرات ولوحق، و يكاد يكون أغزر كاتب في االرض المحتلة و المالحق الدؤوب لتطور الحركة األدبية و الثقافية

فيها. نشر عدة كتب أدبية و قومية، و اعتقل في أواخر بعد ان صودر كتابان نشرهما آنذاك و هما "محمد و1963

المسيح" لخالد محمد خالد و "دمعة و ابتسامة" لجبرانخليل جبران.

50[ - قنابل: جمع قنبلة و هي مجموعة من الخيل )83]رأسا(.

[ - نزيه خير شاعر شاب، اسلوبه الشعري قوي، و لكنه84] ينظم قصائد قصيرة، اتجاهها الواضح غير مبلور بعد، من

الشعراء الواعدين [ - ولد راشد حسين محمود في قرية "مصمص" من85]

، وتلقى دراسته االبتدائية1936قرى المثلث الشمالي عام في أم الفحم. يعمل اآلن في الصحافة.

[ محمود دسوقي من قرية الطسبة، رافق شعره الذي86] ينطبع بطابع طالسيكي محض األحداث العربية خطوة

. ثم عاد فنشر1959خطوة. نشر ديوان "مع األحرار" عام ديوان "موكب االحرار" الذي صودر ومنع بيعه في االسواق.

يعتقد انه نشر تمثيلية اسمها "محكمة المهداوي" وقصصابعنوان "المجزرة الرهبية" .

[ - الحلقة الثانية من قطعة ذات ستة فصول اسمها87] "سداسية االيام الستة"، فتعبر وحدها قصة قصيرة -نشرت

.1968في "الجديد"- ايار

كنفاني: غسان المؤلف